نازحون هاربون من مناطق سيطر عليها تنظيم "داعش" في العراق
3-01-2016, 09:31




الديباجة

ما زال العراق من البلدان التي تشهد تراجعاً كبيراً في الملف الإنساني على المستويات كافة. البلاد التي تشهد حرباً ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، تُعاني من تخبط كبير في قراءة ودراسة التقارير الصادرة من المنظمات الدولية المعنية بملف حقوق الإنسان حول الإنتهاكات التي تحدث في العراق، من قبل السلطات أو الجماعات المسلحة أو تلك الإرهابية التي تسيطر على ما يقارب 17 % من بلاد النهرين.


لم يختلف عام 2015 عن العام الذي سبقه إقرأ تقرير العام الماضي 2014 الذي أصدره المرصد العراقي لحقوق الإنسان. ولم تصل إجراءات الدولة العراقية بمؤسساتها المعنية بحقوق الإنسان ولا بالجهات الساندة لها إلى المستوى الأدنى من الطموح لخلق بيئة إنسانية صحية تُساعد سُكان البلاد على فهم حقوقهم.


تفاقم النزوح في عام 2015 ووصل إلى أكثر من 3 ملايين ونصف المليون نازح، يعيش أغلبهم وضعاً صعباً يُنذر بكوارث إنسانية قد لا يتمكن أحد من معالجتها او الحد من خطورتها، كما أن الأوضاع الجارية في البلاد ووجود تنظيمات إرهابية وتدهور الوضع الإقتصادي، دفع الآلاف من الشباب العراقيين إلى الهجرة بطرق غير شرعية لأوربا وأمريكا وكندا وبلدان أخرى.


الحركة الإحتجاجية التي شهدها العراق صيف العام الماضي والمطالبة الشعبية بالحقوق والعدالة الإجتماعية، لم تلق هي الأخرى مثل باقي الملفات أية إلتفاتة حكومية. عملت بعض الكتل السياسية المشاركة في الحكومة والبرلمان إلى إجهاض التظاهرات وتقويض حرية التظاهر والتعبير عن الرأي، لكنها لم تتمكن من ذلك. 


كان للصحافة والإعلام نصيب من المأساة التي يعيشها العراقيون، فعشرات الصحفيين هجروا من مدينة الموصل، ومثلهم أسر وقُتل على يد تنظيم "داعش" وجُرح العشرات كذلك أثناء تغطيتهم الحرب التي تقودها الحكومة العراقية والقوات المساندة لها ضد التنظيم المتطرف.


معناة الأطفال العراقيين إزدادت بشكل كبير، بعد أن أوقفت البعثة الإنسانية للأمم المتحدة 80% من نشاطها الإنساني في العراق قبل أشهر بسبب الضائقة المالية. كان نصيب الأطفال من ذلك التوقف كبير في ظل ما يعيشون من نقص في الغذاء والدواء والمستلزمات الأخرى.


ولم تكف الحملات الإغاثية التي قام بها عدد من الناشطين المستقلين، فالجهود الإغاثية في العراق تحتاج إلى جهد مؤسسات كبيرة ذات تمويل مستمر. مما زاد وضع الأطفال العراقيين سوءاً وإزدادت معاناتهم، وحُرم عدد كبير منهم من فرص التعليم.


المرأة العراقية لم تتحسن أوضاعها، فهي التي عاشت على مدى عقود طويلة مأساة كبيرة. تارة تفقد أبنائها جراء العمليات الإرهابية وتارة تُعاني من إضطهاد مجتمعي، وأخرى تغيب حقوقها التشريعية وتُغيب جهودها في مؤسسات الدولة العراقية وتُصبح ضحية لنزاعات عشائرية.

 

النازحون.. بين مطرقة الإرهاب وسندان الحكومة

خلفية: بداية النزوح     

في كانون الأول / ديسمبر العام 2013 بدأت موجة النزوح من محافظة الأنبار مع بدء العمليات العسكرية التي شهدتها صحراء المحافظة ضد تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" المتطرف. آنذاك نزح أكثر من نصف مليون شخص من سكان المحافظة خلال شهر ونصف الشهر بإتجاه محافظات الوسط والشمال.


مع إستمرار العمليات العسكرية في محافظة الأنبار منذ كانون الأول/ديسمبر 2013 التي توسع نطاقها ثم سيطر التنظيم المتطرف على أجزاء كبيرة منها، قبل أن يسيطر عليها بشكل كامل في 17 أيار/مايو 2015. إستمرت موجات نزوح السُكان الأنباريين. فبالإضافة إلى نزوحهم لمناطق الوسط والشمال، نزحوا إلى مدن الجنوب.


الغالبية من سُكان الأنبار لجأوا إلى مناطق إقليم كردستان العراق، التي إكتظت بالنازحين وطالبت على إثرها الجهات المعنية بالأقليم بمزيد من المساعدات المالية، لتتمكن من توفير المكان والغذاء والدواء للعوائل التي دخلت حدود الإقليم. وقال وزير التخطيط في حكومة إقليم كردستان علي سندي، "إن إستضافة النازحين تخلف عبئا كبيراُ على الخدمات الإجتماعية والموارد المالية للإقليم".


رغم أن الإقليم كان فاتحاً لأبوابه أمام النازحين، إلا أن إجراءات روتينية عطلت دخول مئات العوائل التي إضطرت الذهاب إلى كركوك ومدن الجنوب.


وبعد أن سيطر ذات التنظيم على مدينة الموصل مركز محافظة نينوى في العاشر من حزيران / يونيو العام 2014 نزح أكثر من مليون ونصف المليون مواطن من المحافظة، هاربين إلى مدن إقليم كردستان العراق.


وبعد يومين من سيطرة التنظيم وبسط نفوذه في مدينة الموصل بعد إنسحاب القوات الأمنية العراقية من المدينة، نزحت مئات آلاف العوائل من محافظة صلاح الدين التي سقطت هي الأخرى بيد التنظيم.

 

 

 النازحون بعد عام ونصف من عمليات النزوح

يعيش الآن 3.2 ملايين[4] عراقي في غير مناطق سكناهم الأصلية. 47 بالمائة منهم يعيشون في إقليم كردستان العراق. لكن معاناة هؤلاء النازحين تتفاقم في ظل ما يعيشه العراق الآن من أوضاع أمنية وإقتصادية متدهورة، فهناك ما يقارب الـ30 بالمائة[6] من العراقيين يعيشون تحت خط الفقر، في ظل سيطرة تنظيم إرهابي على 17 بالمائة من البلاد.


تُشير تقديرات منظمة الهجرة الدولية (IOM) إلى أن "أعمال العنف التي شهدتها مدينة الرمادي بسبب سيطرة تنظيم "داعش"، دفعت خلال الأيام الأربع الأولى من النصف الثاني من شهر آيار/مايو 2015 إلى نزوح 40,608 مدني.[8] هؤلاء نزحوا إلى مدن وقرى قريبة من الرمادي قبل أن تبدأ العمليات العسكرية الكبيرة نهاية كانون الأول / ديسمبر 2015.


ورغم المساعدات المقدمة من مؤسسات إغاثية تابعة للأمم المتحدة والحملات الخيرية التي يقوم بها عدد من الناشطين الإنسانيين في العراق، إلا أنها لم تكن كافية.


وفي مقابلة مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان، قال فرانسيس بيتر- المسؤول في البعثة الإنسانية للأمم المتحدة في العراق، إن "الدعم غير كاف لسد الاحتياجات الإنسانية في العراق، بسبب النقص في التمويل، لذا إضطر الشركاء إلى خفض الحصص الغذائية للأشخاص الذين يعيشون خارج المخيمات".


وأوضح أن: "نقص التمويل أدى إلى وقف 84% من البرامج الصحية "التي يدعمها الشركاء في مجال الصحة، بما في ذلك منظمة الصحة العالمية، حيث يقدر عدد المرضى الذين سعوا للرعاية الطبية الأولية، بمليون شخص، لذا لن يتم تحصين أكثر من نصف مليون شخص، ونخشى تفشي أمراض الحصبة وشلل الأطفال".


ويتوقع المرصد العراقي لحقوق الإنسان أن تزداد أعداد النازحين إلى أربعة ملايين شخص مع قرب إنطلاق العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات الأمنية العراقية والتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية في مدينة الموصل.


هذا الأمر سيجعل الحكومة العراقية في إختبار جديد بعد أن فشلت على مدى الأشهر الماضية بتقديم المساعدة الكافية للنازحين.


المناطق التي شهدت موجات نزوح هي الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى، حيث تُشكل الأنبار التي لا زالت أجزاء واسعة منها تحت سيطرة تنظيم "داعش" ما يقارب المليون ونصف المليون نازح، أما نينوى فشهدت نزوح مليون ومئة ألف شخص، أما صلاح الدين فنزح منها نصف المليون شخص، بالإضافة إلى أكثر من 150 ألف شخص من ديالى. ومؤخراً نزح ما يقارب 300 ألف شخص من الرمادي التي تشهد عمليات عسكرية في هذه الأيام.


ويقول تقرير تابع للأمم المتحدة أن "هناك 350 الف نازح قد عادوا إلى مواقعهم الأصلية، وأكثر من النصف بقليل عادوا إلى محافظة صلاح الدين، و أكثر من الثلث عادوا إلى مدينة تكريت.


وقد بدأت حركة العودة في منتصف حزيران / يونيو 2015، حيث تلقت محافظات أخرى تلقت أعداد كبيرة من العائدين هي، ديالى ما يقارب 70 الف شخص ونينوى أكثر من 60 الف شخص".


أعداد كبيرة من النازحين لا يُمكن إحصائها تعيش في هياكل وفي مؤسسات حكومية متروكة، وبعضها في بنايات لم يكتمل بنائها. كل هذا بسبب عدم وجود أماكن تأويهم، رغم التخصيصات المالية الكبيرة التي حددتها الحكومة العراقية، لكن أي شيء منها لم يصلهم ولم يُعرف مصير الأموال حتى الآن.

 

 

المنازل المدمرة تعيق عودة النازحين لمناطقهم

تسببت العمليات العسكرية والمواجهات التي حدثت بين تنظيم "داعش" والقوات الأمنية العراقية بتدمير ما يقارب 4 آلاف منزل في مدينة الرمادي، بالإضافة إلى عشرات آلاف المنازل التي تضررت، فضلاً عن البنى التحتية والمؤسسات الحكومية.


وسيلاقي العراق صعوبة في أعادة بناء هذه المنازل المدمرة وإعادة الروح للمدن بسبب الضائقة المالية التي يمر بها وإنخفاض أسعار النفط العالمية. ويعتمد العراق على النفط في موازنته العامة بنسبة تتجاوز الـ85%.


وعمد تنظيم "داعش" الذي سيطر لشهور طويلة على محافظة الأنبار إلى تهديم البنى التحتية والجسور والمدارس والمراكز الصحية، مما سيزيد العبء المادي على الحكومة العراقية، التي تحاول إعادة إعمار المناطق المحررة، لكنها تواجه أزمة إقتصادية.


رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي دعا في الثلاثين من كانون الأول / ديسمبر 2015، إلى: "تشكيل لجنة عليا فورية لإعادة إعمار الرمادي، وتسهيل عودة المدنيين إلى ديارهم".


لكن دعوة العبادي هذه فيها إفراط بالتفاؤل بحسب المؤشرات التي يمر بها العراق، فبحسب خبراء إقتصاديين، قابلهم لـلمرصد العراقي لحقوق الإنسان، فإن :"العراق بحاجة لأكثر من 60 مليار دولار لإعادة إعمار المناطق المحررة".وهذا بحد ذاته رقماً صعباً لن يتمكن العراق من توفيره على مدى السنوات الأربع المقبلة ما لم يكن هناك دعم دولي كبير.


الأوضاع في المناطق التي حُررت ودعت الحكومة العراقية النازحين  للعودة إليها، غير صالحة للعيش. ولا يوجد في تلك المناطق ما يُشجع الناس على العودة في ظل الهدم المتعمد من قبل عناصر تنظيم "داعش" الذين زرعوا العبوات في الطرقات وفي الساحات العامة وفي المنازل التي لم تتضرر حتى الآن من العمليات العسكرية.


وقال بيان للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إن "الظروف لا تشجع حاليا لعودة العائلات إلى الرمادي على الرغم من استعادة مناطق من قبل القوات الأمنية ورغبة العديد من العائلات في العودة بأسرع وقت ممكن".

 

بزيبز.. الجسر الذي يحكي مأساة النزوج

كان جسر بزيبز الرابط بين قضاء عامرية الفلوجة المرتبط إدارياً بمحافظة الأنبار، والعاصمة العراقية بغداد، شاهداً على مأساة مئات العوائل التي هربت من مناطق الحرب والقتال في محافظة الأنبار، عندما بقوا عالقين على الجسر بسبب رفض السلطات المحلية في بغداد بأوامر من السلطة الإتحادية دخولهم إلا بشرط الكفيل (لا يُمكن لأي نازح دخول بغداد ما لم يحظر شخص يكفله).


وتسببت الإجراءات بإعاقة وصول الهاربين من مناطق النزاع والقتال في الرمادي إلى المناطق الآمنة، وبقيت حياتهم في خطر بين سندان إجراءات الحكومة العراقية التمييزية وبين إرهاب تنظيم "داعش" في مناطق سكناهم.


وقالت النائبة عن محافظة الأنبار لقاء وردي، عضو لجنة المهجرين في مجلس النواب العراقي، في مقابلة مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان: "للأسف لا توجد خطة للحكومة العراقية من أجل إنقاذ المدنيين المحاصرين في مدينتي الفلوجة والرمادي، خاصة أن هناك أطفال ونساء وكبار في السن يعيشون حالة مأساوية يصعب وصفها".


وتقول الأمم المتحدة إن: "عدد العراقيين الذين يحتاجون لمساعدات إنسانية وصل إلى 8.5 ملايين شخص، بينهم ثلاثة ملايين نازح". هؤلاء تركوا مناطقهم بعد سيطرة تنظيم "داعش" على الموصل وعدد من المدن الأخرى في 10 حزيران/يونيو 2014.


بدأت الحكومة العراقية في نيسان / أبريل 2015 بفرض إجراءات وصفت بـ"التمييزية" عندما منعت 250 ألف مدني من الوصول لمناطق أكثر أمناً من التي هربوا منها في الأنبار بسبب القتال بين القوات الحكومية العراقية وتنظيم "داعش".


وينص المبدأ الأول من المبادئ التوجيهية للجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بشأن النزوح الداخلي: "يتمتع المشردون داخلياً في بلدانهم على قدم المساواة التامة بنفس ما يتمتع به الأشخاص الاخرون في البلد من حقوق وحريات بموجب القانون الدولي والمحلي، وألا يُميز ضد هؤلاء الاشخاص في التمتع بأي من هذه الحقوق والحريات بدعوى أنهم مشردون داخلياً".


وفرضت السلطات الكردية في إقليم كردستان العراق إجراءات مشابهة على النازحين الذين كانوا يدخلون عبر الطرق البرية، مما شكل حالة من الخذلان لمن نزح خوفاً على حياته وحياة عائلته من القتل على يد تنظيم متطرف.


كانت إجراءات الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق مخالفة للقانون الدولي الانساني الذي: "يفرض حظراً على التمييز العرقي والديني حتى في أوقات النزاع".


وينص المبدأ الخامس عشر الأمم المتحدة التوجيهية بشأن التشريد الداخلي، على أن يكون للمشردين الداخليين  "الحق في التماس الأمان في مكان آخر من البلد"، والحق في الحماية من العودة القسرية إلى أي مكان تكون فيه حياتهم أو سلامتهم أو حريتهم أو صحتهم معرضة للخطر، أو التوطن القسري في ذلك المكان".


وما زال حتى الآن وضع النازحين في كل المناطق يفتقد لأدنى مستويات الطموح، ولم يتوافق مع المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن النزوح الداخلي، ولا حتى مع القوانين والمواثيق الدولية التي تلتزم وفقها الحكومة العراقية بتقديم المساعدات لهم ومراعاة أوضاعهم الإنسانية.

 

 

إيجة.. طريق موت بثوب نجاة

شهد العراق في حزيران / يونيو العام 2015 اكبر موجة هجرة[24] بإتجاه أوربا بعد عام على اجتياح تنظيم "داعش" المتطرف محافظة نينوى شمال العراق. ولم يكن وجود التنظيم المتطرف في العراق السبب الوحيد في هجرة العراقيين إلى أوربا، بل أن الظروف[25] الأمنية والاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد، كانت سبباً آخر بهجرة العراقيين إلى أوربا بمساعدة مهربين يتخذون من تركيا نقطة إنطلاق إلى البحر الواصل إلى اليونان.


وإضطر المهاجرون إلى السير لمسافات طويلة في مناطق غير آمنة، وكذلك الإبحار في ظروف خطيرة باستخدام قوارب بدائية مزدحمة. وقد أعلنت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في (28 آب / أغسطس 2015) أن: "أكثر من 300 ألف مهاجر عبروا الأبيض المتوسط منذ بداية شهر كانون الثاني الماضي، منهم أكثر من 2500 غرقوا في البحر قبل الوصول الى أوربا".


ظاهرة هجرة العراقيين ليست جديدة وتعود إلى الحرب الطائفية[27] التي شهدتها البلاد عام 2006، وقبلها إلى تسعينيات القرن الماضي في زمن حكم الرئيس السابق صدام حسين. كما لها جذور في الثمانينات والسبعينات أيضاً، لكن موجة الهجرة الأخيرة هي الأكبر بين الشباب، حيث أشارت لجنة الهجرة والمهجرين في مجلس النواب العراقي إلى: أن "أعداد المهاجرين تفوق الـ800 مهاجر يوميا عبر بحر ايجة الرابط بين اليونان وتركيا".

 

الحسن طارق (24 عاما) يقطن مدينة بابل التي تتمتع بأوضاع أمنية شبه مستقرة بعد أحداث 2006 الطائفية التي أزهقت أرواح المئات من المدنيين، يروي للمرصد العراقي لحقوق الانسان، قصة مغادرته العراق مع سكان المناطق المسيطر عليها من قبل تنظيم "داعش"، ويقول إن: "هاجس الهجرة بدأ منذ أن أصبح موت الأحلام يتوالى واحدا تلو الآخر، يأس طويل وأحلام متلاشية وآمال لا واقع لها، خاصة بعد التخرج من الجامعة وعدم الحصول على فرصة عمل".


ويضيف طارق: "في الوقت الذي جاءت فيه الهجرة وفتحت أوربا أبوابها أمام اللاجئين، بدأ حلم الهجرة يتحقق تدريجياً، ‘إذ لا حديث لدينا نحن الشباب سوى الهرب من اليأس الكبير الذي سود حياتنا، لكن هنالك عائق يقف خلف هذا الحلم ألا وهو كيف يمكن لي أن اجمع أربعة آلاف دولار ومن بعدها أهاجر، وتمكنت من ذلك عن طريق مساعدة أصدقائي لي".


وفي الحديث عن المعاناة التي واجهته خلال مغامرته غير الشرعية يقول: "عندما وصلت تركيا توجهت مع من كان معي من العراقيين الى مدينة أقصراي التي تعد أرخص مدينة تركية، وإتفقنا مع أحد المهربين  في المنطقة ذاتها، بعدها إقتادونا إلى نقطة الإنطلاق عبر باصات كبيرة، وألقي القبض علينا أثناء الرحلة من قبل الشرطة التركية، وتم إخلاء سبيلنا بـ 1400 دولار لنكمل رحلتنا نحو البحر الذي وصلناه بعد تسع ساعات من التعب".


وتعد الأوضاع الأمنية المتأزمة التي يعيشها البلد المتمثلة في خطر وجود تنظيم "داعش" وغياب الوظائف وإنعدام الخدمات الأساسية وتفشي الفساد في جميع مفاصل الدولة، كلها أسباب ساهمت في تشجيع الشباب العراقي على الهجرة.


حسين البدري (27 عاما)، الذي يسكن في محافظة ذي قار جنوب العراق، عزا سبب مغادرته العراق مع موجة المهاجرين إلى "الأوضاع الإقتصادية الصعبة التي يمر بها على أمل أن يحسن وضعه في أوربا".

ويضيف حسين الذي يسكن فنلندا حاليا: "اتخذت قراري بالهجرة إلى أوربا وأنا اعمل سائق تكسي منذ تسعة أشهر لأجمع مبلغا من المال يساعدني على دفع تكاليف الهجرة لأي دولة أوربية، الأهم هو أن أنجو بحياتي ولا يضيع عمري في الحرب التي يعيشها العراق".


وشكى حسين من: "التعامل اللا إنساني الذي تعاملت به مقدونيا مع اللاجئين، التي حجزته مع أصدقائه حديقة عامة لمدة يومين دون تقديم الطعام لهم او الملابس التي تقيهم من البرد القارص"، على حد وصفه.

ومن أولئك الذين حاولوا عبور البحر المتوسط، غرق أو اختفى 3600 شخص على ألأقل، وفقا لأرقام المنظمة الدولية للهجرة، ويُمثل ذلك معدلاً أكثر من 10 حالات وفاة لكل يوم من هذا العام.


بالمقابل أعلن اتحاد اللاجئين العراقيين في إقليم كردستان، في (3 كانون الاول / يناير 2016): أن "388 مواطناً من كردستان لقوا مصرعهم في بحر ايجة، منذ بدء الهجرة غير الشرعية إلى أوربا حتى السادس من شباط / فبراير 2016".

 

 

أطفال العراق.. يُحرمون من كل شيء

تشهد الدول التي تُعاني من أعمال عنف ونزاعات، عمليات تجنيد للأطفال من قبل جماعات مسلحة موالية ومعارضة للحكومات. العديد من هؤلاء الأطفال تتم عملية تجنيدهم بشكل قسري، والبعض منهم تدفعه الفاقة والعوز لذلك.


يُعرّف الطفل ، في المادة الأولى من الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل: "كل شخص لم يتجاوز الثامنة عشرة من العمر، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه". ويعد: "تجنيد وإستخدام الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر للعمل بوصفهم جنوداً أمر محظور بموجب القانون الدولي الإنساني".


وعلمت شبكة الرصد في المرصد العراقي لحقوق الإنسان، أن الفترة الممتدة من كانون الأول/ديسمبر 2014 - حزيران/يونيو 2015، شهدت تفجير 40 طفلاً من ما يُعرف بـ"جند الخلافة"، التابع لتنظيم "داعش" أنفسهم في عمليات إنتحارية في مناطق غربي وشمالي البلاد، أثناء المعارك التي شهدتها تلك المدن.


وأثناء المعارك بين القوات الحكومية العراقية والقوات الموالية لها ضد تنظيم "داعش" في مدينة تكريت، مركز محافظة صلاح الدين، التي شهدت معارك عنيفة بين عناصر التنظيم والقوات الحكومية العراقية، نفذ الأطفال المجندين من قبل "داعش" عمليات إنتحارية بعد ان تم تعليمهم قيادة السيارات المفخخة والتوجه بها نحو سواتر القوات الأمنية العراقية.


وعلمت الشبكة أيضا أن أغلب العمليات الإنتحارية التي نفذها الاطفال، كانت بسيارات مفخخة، وأخرى كانت عبر نصب كمائن للقوات الأمنية العراقية، خاصة في المناطق التي تقع بين قضاء بيجي ومدينة تكريت في محافظة صلاح الدين، حيث جيء بالأطفال من محافظتي الأنبار ونينوى.


وفي محافظة نينوى شمالي العراق، التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" منذ العاشر من حزيران/ يونيو 2014، أبلغ سكان محليون من الموصل خلال مقابلات هاتفية مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان: أن "هناك معسكرات تدريبية أسست بعد سيطرة التنظيم على المدينة، خاصة بتدريب الأطفال على السلاح.  وكان عناصر التنظيم يختبرون الأطفال ومن يرونه متحمساً للقتال يحول إلى إنتحاري بعدما يُغسل دماغه بالأحاديث العقائدية الحماسية".


وبحسب المعلومات المتوفرة لدى المرصد العراقي لحقوق الانسان، فإن "الأطفال الذين نفذوا عمليات إنتحارية في العراق خلال فترة ستة أشهر من كانون الأول/ديسمبر 2014 - حزيران/يونيو 2015، تتراوح أعمارهم بين الثانية عشر والسابعة عشر من العمر، وهذه هي الأعمار التي تصنفها القوانين الدولية بأنها أعمار الأطفال".


ورغم أن إتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وبروتوكولاها الإضافيان لعام 1977، توفران حماية خاصة لصالح الأطفال خلال النزاعات المسلحة. وأصبح الأطفال العراقيين ضحية أساسية في مناطق النزاع، وإستخدمتهم الجماعات المتطرفة إنتحاريين ودروع بشرية أثناء المعارك التي تخوضها ضد القوات الحكومية العراقية.


وتؤكد منظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF): ”يتم إخضاع أطفال بسن 12 سنة للتدريب العسكري، ويتم إستخدامهم كمخبرين، وحراس لنقاط التفتيش والمواقع الإستراتيجية، كما يتم إستخدامهم أحيانا كإنتحاريين ومنفذين لعمليات الإعدام".

وقالت لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة، إن "عناصر تنظيم "داعش" يبيعون الأطفال العراقيين المخطوفين في الأسواق كرقيق ويقتلون آخرين، بينهم من يقتلون صلبا أو يحرقونهم أحياء". وبيّنت اللجنة أن: "كثيرا ما يستخدم التنظيم الصبية الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما كمهاجمين انتحاريين أو صناع قنابل أو مرشدين أو دروع بشرية لحماية المنشآت ضد الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة".


ووثق المرصد العراقي لحقوق الإنسان أحصائية بأعداد 580 طفل أيزيدي بلا أبوين، يعيشون الآن في مخيمات داخل إقليم كردستان العراق عند أقاربهم وعند بعض الذين يساعدونهم في الإستمرار بالحياة، لكنهم يواجهون مصاعب كبيرة خاصة وأنهم يعيشون مع عوائل نازحة لا تجد مكاناً يأويها.


وأكدت مقررة لجنة المرأة والطفل في مجلس النواب العراقي، ريزان دلير الشيخ خلال مقابلة مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان، إحصائية المرصد، وقالت: إن "وضع هؤلاء الاطفال سيء جداً ويجب على الحكومة العراقية أن ترعاهم وتهتم بهم، لا أن يبقوا عند عوائل من غير ذويهم".


وإتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش (HRW) في تقرير لها نشرته في 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 "قوات الحشد الشعبي في العراق بإستخدام الأطفال كمقاتلين ضد تنظيم "داعش". ويضيف التقرير: أن "من المعروف أن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) يجند الأطفال، ولكنه ليس الوحيد: فالميليشيات الشيعية العراقية التي تقاتل مع القوات الحكومية ضدّ "داعش"،  تستخدم الأطفال أيضا".


"وتشمل إنتهاكات حقوق الطفل الهامة في العراق والتي تحتاج إلى معالجة: نقص فرص الحصول على الخدمات الصحية وتعزيز هذه الخدمات، ونقص فرص الحصول على التعليم الجيد، والعنف ضد الأطفال في المدارس وبين الأسر؛ والتمييز؛ الأثر النفسي لسنوات من العنف الشديد‘ والاحتجاز لفترات طويلة في سجون الأحداث؛ و عدم أيلاء الأهتمام الكافي باحتياجات الأطفال المعاقين والذين ليسوا في بيئتهم الأسرية، بالأضافة الى قلة فرص الحصول على المعلومات والمشاركة في الحياة الثقافية. وفي حين أن الغالبية العظمى من الأطفال في العراق يعانون من انتهاك واحد على الأقل للحقوق الأساسية المذكورة آنفا، فأن حوالي 10 في المائة منهم حوالي 1.7 مليون طفل يحصل على كافة حقوقهم".


يقطن نحو 252,000 طفل نازح ممن هم في سن الدراسة (تتراوح أعمارهم بين ست سنوات و17 سنة) في إقليم كردستان. ويذهب عدد قليل جداً من أطفال الأسر التي تحدثت منظمة العفو الدولية معها داخل وخارج المخيمات إلى المدارس.


ومع إفتقار العديد من المخيمات إلى المدارس، لا تستطيع بعض الأسر أن تدفع أجور المواصلات؛ وفي حالات أخرى، تحتاج الأسر إلى أطفالها كي يعملوا من أجل البقاء على قيد الحياة. وذكر بعض الآباء أن الأطفال الذين درسوا سابقاً المنهاج باللغة العربية الذي يدرس في بقية مناطق العراق لم يتمكنوا من متابعة المناهج الدراسية الكردية.


ورغم إنضمام العراق لإتفاقية حقوق الطفل، والقوانين والإعلانات الدولية التي تنص جميعها على ضرورة أن تكون للطفل بيئة مناسبة للعيش والتعليم، فإن مشروع قانون الطفل العراقي ما زال مركوناً في رفوف مجلس شورى الدولة.


وينص الدستور العراقي في المادة 30: "أولاً: على أن الدولة تكفل للفرد وللأسرة ـ وبخاصة الطفل والمرأة ـ الضمان الإجتماعي والصحي، والمقومات الأساسية للعيش في حياةٍ حرةٍ كريمة، تؤمن لهم الدخل المناسب، والسكن الملائم".

 

 

 احتجاجات العراق.. إنتهاكات ضد المطالبين بحقوقهم

انطلاق الاحتجاجات


في الرابع والعشرين من تموز / يوليو 2015، إجتمع عدد من الناشطين والإعلاميين العراقيين في العاصمة بغداد وإتفقوا على الخروج بتظاهرات تكون مساندة للتظاهرات التي شهدتها محافظة البصرة، جنوبي البلاد، والتي قتل على إثرها المتظاهر منتظر الحلفي.


في الحادي والثلاثين من ذات الشهر، إحتشد 3900 عراقي في ساحة التحرير وسط بغداد. المتظاهرون رفعوا العلم العراقي ونددوا بالإجراءت الحكومية تجاه الأوضاع في البلاد وإنتقدوا سياستها الإقتصادية والأمنية وطالبوها بتقديم عدد من المسؤولين "الفاسدين" للقضاء.


المرصد العراقي لحقوق الإنسان تابع الإحتجاجات الشعبية التي تشهدها العاصمة العراقية بغداد ومحافظات في الجنوب، وإزداد قلقه بشكل كبير بعد التعامل بقسوة معهم من قبل بعض عناصر القوات الأمنية في عدد من المحافظات.


القوات الأمنية في محافظات بابل وذي قار، إستخدمت القوة غير المشروعة لتفريق المتظاهرين بعدما خرجوا للمطالبة بإصلاحات في مؤسسات الدولة العراقية، ومطالبتهم بإسترجاع الأموال العراقية المنهوبة منذ سنوات.

الناشطون في بغداد والمحافظات تعرضوا للتخوين من وسائل إعلام ممولة من جهات سياسية نافذة في الدولة العراقية. وما يزيد المخاوف هو محاولة البعض إحداث فوضى في التظاهرات لتحميلها والشخصيات البارزة فيها مسؤولية ذلك.


وفي بغداد العاصمة التي شهدت أول تظاهرة في الحادي والثلاثين من تموز / يوليو 2015، أعتقل في الجمعة الخامسة من التظاهرات، 18 شخصاً، بعد إنسحاب المتظاهرين بقليل. وبحسب شهود عيان قابلهم المرصد العراقي لحقوق الإنسان، فأن "أربع سيارات بيك آب تابعة للقوات الأمنية العراقية وقفت في شارع السعدون  بحدود الساعة (8.30 مساءً) ترجل منها مجموعة يرتدون لباساً مدنياً، ويحملون عصي وفي أحزمتهم مسدسات، يعتقد أنهم من الاستخبارات قاموا بالاعتقالات".


وفي التظاهرة الأولى التي اقيمت في الحادي والثلاثين من تموز / يوليو 2015 في بغداد، إختفى أحمد الساعدي، وهو من مواليد 1985 منتسب في الجيش العراقي، لكن بعد ذلك عرف ذويه والناشطين أنه يقبع في إحدى سجون قيادة عمليات بغداد. إعتقال الساعدي جاء بعد مشاركته في التظاهرات وحديثه بالعلن أمام القوات الأمنية العراقية عن المسؤولين في الدولة العراقية.


وفي الجمعة الثالثة التي أقيمت في الرابع عشر من آب / أغسطس 2015، قام بعض الأشخاص الذين لم تُعرف هويتهم حتى الآن بضرب عدد من الناشطين البارزين في بغداد وإنزالهم من منصات التظاهر بعد تهديدهم وضرب بعضعم بالسلاح الأبيض، تعرضت على إثر ذلك إحدى المتظاهرات إلى اصابة في الرأس.


وفي محافظة البصرة، جنوبي العراق، التي كانت الشرارة الأولى لتلك الإحتجاجات بعد مقتل المتظاهر منتظر الحلفي برصاص القوات الأمنية، تعرض المتظاهرون هناك إلى الإعتداءات.


عند الساعة الواحد صباحآ من اليوم الاول للاعتصام تم ضرب المعتصمين ورموا بقنابل مسيلة للدموع والتهديد برفع الخيمة من قبل القوات الأمنية، لكن الأمور جرت بشكل طبيعي بعد تدخل أطراف عدة. بيد ان التهديدات استمرت للناشطين وتم الاعتداء عليهم اثناء اعتصامهم وتهديم خيمهم.


واثناء الاعتصامات دخلت مجموعة من الافراد مجهولي الهوية الى خيمة المعتصمين وقاموا بضرب المعتصمين وسرقة هواتفهم المحمولة والخروج من الخيمة، في مكان كانت تتواجد فيه القوات الامنية العراقية لكنها لم تتدخل.


ناشطون من البصرة قالوا خلال مقابلة مع  المرصد العراقي لحقوق الإنسان، إن "قائد عمليات الشرطة في محافظة البصرة، هددنا بشكل غير مباشر، وقال: "نحن لا نستطيع حمايتكم، ارفعوا الخيمة وارجعوا لبيوتكم فهي أأمن لكم، انا لا استطيع حماية نفسي ولا حماية ابني".


وفي بابل، جنوبي العراق، حاول المتظاهرون  السيطرة على سلمية التظاهر منذ الاسبوع الاول، وبذات الوقت كانت القوات الامنية تتعامل بطرق غير سلمية معهم، لكن الخرق الاول حصل بعد الاسبوع الرابع حين فض اول اعتصام لمتظاهري بابل بقوة مفرطة من قبل قوة مكافحة الشغب والذي تكرر لثلاث مرات خلال يومين واستخدمت القوة الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه والهراوات والعصي الكهربائية لتفريق المعتصمين.


واصيب على اثر الاستخدام المفرط للقوة من قبل القوات الامنية، عشرة اشخاص كانت اصابة اربعة منهم خطيرة. الامر تكرر حين تظاهر العشرات من الحلّيين امام مبنى مجلس محافظة بابل وعلقوا لافتة تتضمن اغلاقهم للمبنى، لكنهم جوبهوا بقوة مكافحة الشغب وباستخدام المياه والهراوات والعصي الكهربائية وحتى الرصاص الحي بالهواء حيث تم اصابة ما لا يقل عن ٥ اشخاص واعتقال اكثر من ١٠ آخرين.


وفي محافظة ذي قار وبعد انتهاء التظاهرة الثالثة التي اقيمت في الرابع عشر من آب / اغسطس 2015،  توجه عدد من المتظاهرين الذين لا تتجاوز اعمارهم العشرين عاماً في الساعة الثامنة ليلا من ساحة التظاهر الى منزل الشيخ محمد باقر الناصري والد محافظ ذي قار، لكن قوة من مكافحة الشغب غلقت شارع الجمهورية وسط الناصرية حيث يقع منزل الناصري لمنع المتظاهرين من الوصول اليه.


بعض المتظاهرين رشقوا القوة الأمنية التي كانت تتواجد قرب منزل والد المحافظ بقناني المشروبات الغازية، مما ادى الى اصابة اربعة منتسبين من فوج مغاوير الناصرية ونقلوا على اثرها الى مستشفى الحسين التعليمي وسط المدينة، الامر الذي دفع القوات للتدخل باستخدام القنابل الصوتية وخراطيم المياه والعصي الكهربائية، اصيب على اثرها ستة متظاهرين بجروح واعتقال 10 اخرين.


وفي تظاهرات الحادي عشر من ايلول / سبتمبر وهو الاسبوع السابع من التظاهرات توجه المتظاهرون من ساحة التظاهر (الحبوبي) الى مجلس محافظة ذي قار، الذي يبعد مسافة كيلو متر واحد عنها، حينها اغلقت القوات الامنية الشارع المؤدي الى المجلس بالاسلاك الشائكة، لكن المتظاهرين تجاوزوه وعلى بُعد 100م عن باب المجلس تدخلت قوات مكافحة الشغب ومنعت المتظاهرين من الوصول للمبنى.


القوات الامنية قامت في السابعة والنصف مساءً باعتقال اكثر من عشرة اشخاص وايداعهم في مركز الثورة وسط المدينة، كما اعتدى عناصر قوات مكافحة الشغب على الصحافيين الماركين بالتظاهرات كمواطنين.


وتنص المادة (38) من الدستور العراقي النافذ، على "حق المواطنين بالتظاهر والتعبير عن آرائهم بالطرق والوسائل السلمية".


كما ان حق التجمع السلمي مكفول في المادة 21 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعراق طرف فيه، حيث تنص على: " أنه "لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم".


وطالب المرصد العراقي لحقوق الانسان رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي بتوفير الحماية اللازمة للمتظاهرين السلميين وتنفيذ مطالبهم، ومنع القوات الأمنية من الاعتداء عليهم وإستخدام القوة المفرطة تجاههم.


كما حذر المرصد من استمرار الانتهاكات التي يتعرض لها الاشخاص الذين يطالبون بحقوقهم ويتظاهرون بشكل سلمي احتجاجاً على سوء الخدمات والوضع الامني في البلاد.


كما أن الحكومة العراقية لم تنفذ أي من "الإصلاحات" التي وعدت بها العراقيين الغاضبين من سوء الأوضاع في البلاد، وراحت تناغم في مواقفها الكتل السياسية المُتهمة بـ"الفساد" من قبل العراقيين، ولم تلتفت لتقارير المرصد الداعية للحد من إنتهاكات حقوق الإنسان.

 

البيئة التشريعية.. معوقات العمل الصحفي

لاقى عشرات الصحفيين وعدد من المؤسسات الإعلامية خلال العام 2015، دعاوى قضائية أقامتها ضدهم جهات مختلفة، معظمها أحزاب وشخصيات سياسية ومسؤولين في الدولة.


إلا أن الحكومة الجديدة خيبت الآمال برفعها مسودة مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي إلى مجلس النواب، والتي كانت مسودة أعدت في عهد الحكومة السابقة في غاية السوء، وتمثل تجاوزا خطيرا على مبادئ الدستور والنظام الديمقراطي، وانطوت على بنود لم تشهدها حتى قوانين البلدان الدكتاتورية.

 

 

المرأة العراقية بلا حقوق

 

قام تنظيم "داعش" الذي يسيطر على أجزاء واسعة من الأراضي العراقية بتقييد حرية المرأة في المناطق التي يسيطر عليها وعمِد إلى القيام بأفعال وتصرفات رجعية بشأن المرأة وبيعها في سوق النخاسة وتبادلها بين عناصره بحجة "جهاد النكاح" الذي تُفتي فيه قياداته.


في المناطق التي ما زالت تخضع لسيطرة الحكومة العراقية كان للمرأة نصيباً من المأساة، فمن ناحية التشريعات إستمرت بعض الكتل السياسية بالعمل على تشريع قانون الأحوال الجعفرية الذي ينتهك حقوق الفتيات ويزوجهن من سن التاسعة أو أقل في حال موافقة الوالدين. كما إرتكبت الحكومة خطأ فادح بإلغائها وزارة المرأة بحجة "دمج الوزارات أو تقليصها".


أما ملف النساء المعتقلات فحصل المرصد العراقي لحقوق الإنسان على إحصائية تُفيد بوجود 950 إمرأة معتقلة في السجون العراقية، دون معرفة أسباب الإعتقال. 

 


الإيزيديات.. سبايا العصر الحديث

ما يزال تنظيم "داعش" الذي يسيطر على محافظة نينوى بشكل كامل وأجزاء من محافظة الأنبار يحتجز 1650 إمرأة أيزدية تقريباً.


يستخدم التنظيم المتطرف المختطفات كسبايا لإشباع رغبات عناصره الجنسية بطرق وحشية. ولم يكتف بذلك بل يُتاجر بهن في سوق النخاسة بمدينتي الرقة السورية والموصل العراقية، بالإضافة إلى محافظة الأنبار.


في تموز / يونيو 2015 أبلغ شهود عيان في محافظة الأنبار المرصد العراقي لحقوق الإنسان عن حديث يُتداول في مدينة الفلوجة (معقل التنظيم في المحافظة) لبيع نساء أيزديات في سوق النخاسة.


بعد أن رصد مواطنون ساعدوا شبكة الرصد في المرصد العراقي لحقوق الإنسان، أكدوا أن: "السوق إفتتحت لمدة يومين وبيعت فيها عدد من النسوة".


وينص قرار مجلس الأمن 1820 القرار 1325، أن: "العنف الجنسي في حالات النزاع يشكل جريمة حرب، ويطالب أطراف النزاع المسلح بأن تتخذ على الفور التدابير الملائمة لحماية المدنيين من العنف الجنسي، بما في ذلك تدريب القوات، وإنفاذ تدابير تأديبية". 


ولم تتخذ الحكومة العراقية التدابير اللازمة لحماية المدنيين والنساء خاصة من الإعتداءات التي قامت التنظيم المتطرف. كما أنها لم تسع لتحريرهن من قبضتهم، فبقي موقفهاً مُخجلاً وينم عن عدم إهتمام بهن.


وقام التنظيم المتطرف بعزل[48] الفتيات الأيزديات المختطفات عن عوائلهن وإقتيادهن إلى مناطق أخرى أغتصبن فيها وعُذبن وعوملن بطرق وحشية. 


بعض اللاتي تمكن أعضاء شبكة الرصد في المرصد العراقي لحقوق الانسان من الوصول اليهن في مدن إقليم كردستان العراق، بعدما هربن من عناصر التنظيم، أكدن أنهن: "بيعن في سوق النخاسة في سوريا والعراق، وهناك فتيات أخريات ما زلن يُبيعن ويُهدين بين قادة التنظيم وعناصره المسلحة".


إستخدم تنظيم "داعش" أبشع أنواع العُنف الجسدي في مناطق النزاع وفي أوقات الحروب، حيث كانت أكثر من ثلاثة آلاف إمرأة أيزيدية ضحية تصرفات عناصره الرجعية.


في ذات الوقت تقابل هذه الأفعال مواقف خجولة من قبل الحكومة العراقية ووزارة حقوق الإنسان قبل أن تُلغى، والتي إعتمدت على إصدار البيانات، ولم تعمل على إطلاق سراح المختطفات وإعادة دمج المحررات منهن في المجتمع.


تعمد العصابات والجماعات المسلحة أثناء أوقات النزاع إلى إستخدام النساء جزء من الحرب ضد المجتمعات، خاصة الشرقية منها. ولأن بعض الرجال يتركون زوجاتهم بعد الإختطاف أو تتبرئ بعض العوائل ذات الأفكار القبلية عن بناتها المختطفات، فإن التنظيم حاول بالإضافة إلى جرائم الخطف القيام بإغتصاب أكبر عدد من المختطفات لديه.


وفي تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية قالت: "غالبية الجناة في هذه    الحالات هم رجال عراقيون وسوريون يعمل العديد منهم كمقاتلين لدى تنظيم الدولة الإسلامية فيما يُعتقد أن البعض الآخر منهم هو من أنصار التنظيم.  وقالت كثيرات من اللائي تمكن من الفرار من الأسر أنهن احتُجزن في منازل عائلات آسريهن رفقة زوجاتهم وأطفالهم".


ولقد تضررت الناجيات الأيزيديات بشكل مزدوج حيث يحاولن التكيف مع مأساة فقدان العشرات من قريباتهن اللائي لا زلن في الأسر أو أقربائهن الذين قضوا على أيدي مقاتلي الدولة الإسلامية.


ويُفترض بالحكومة العراقية دعم وتنفيذ المشاريع التي تُمكن النساء الأيزيديات المحررات اللاتي تعرضن للإغتصاب والإعتداء من تجاوز الصدمة وإعادة دمجهن في المجتمع، والعمل على إيجاد ما يُمكنهن من ممارسة حياتهن من جديد بشكل طبيعي.

 


إلغاء وزارة المرأة صفعة بوجه الديمقراطية

في خطوة بعيدة عن النفس الذي الديمقراطي الذي يجب أن تتصف به حكومة العراق برئاسة حيدر العبادي التي تشكلت في أيلول / سبتمبر 2014، أقدم صاحب أعلى منصب تنفيذي في البلد بإلغاء وزارة المرأة ذات الكلفة المالية الضئيلة[49]، ضمن عملية قام بها لترشيق حكومته بسبب الوضع الإقتصادي الذي تمر به البلاد.

 

لجنة المراة والاسرة والطفولة النيابية، أعلنت في السابع والعشرين من آب / أغسطس 2015، عن: "تقديمها طلبا موقعا من 88 نائبا معظمهم من النساء النائبات الى رئاسة البرلمان للمطالبة بابقاء وزارة المراة ضمن التشكيلة الوزارية".


وقالت مقررة اللجنة النائبة ريزان دلير مصطفى في بيان صحفي: "نطالب الحكومة الابقاء على وزارة الدولة لشؤون المراة وعدم شمولها بالتقليص الحكومي وذلك لضمان مشاركة المراة والناشطات النسويات في صنع القرار السياسي والمحافظة على حقوقهن".


لكن العبادي الذي "يعمل على بعض الإصلاحات الحكومية"، لم يلتفت إلى أهمية الإبقاء على وزارة المرأة التي لم تُكلف موازنتها 1 % من موازنات الوزارات الأخرى. في المقابل تصرف دوائرة ومؤسسات تابعة للرئاسات الثلاث ملايين الدولارات كمخصصات سفر وضيافة وغيرها.


أبلغ موظف يعمل في رئاسة الوزراء العراقية المرصد العراقي لحقوق الإنسان، إن: "منظمات وهيئات دولية منها الأمم المتحدة إتصلت وخاطبت رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي بشأن العدول عن القرار الذي إتخذه بإلغاء وزارة المرأة، لكنه لم يسمع لهم".  


الصفعة التي قدمتها حكومة العبادي للمرأة في العراق، تُشكل عائقاً امام المسار الديمقراطي الذي يجب أن تسير عليه حكومته. إلغاء وزارة المرأة خطوة جديدة في مسار تهميش المرأة العراقية تُضاف إلى ما قامت به الحكومات التي سبقت حكومة العبادي.


لم تكن الحكومة العراقية ذات النثريات المالية الكبيرة قادرة على الحفاظ على جزء من حقوق المرأة وإحترام مشاركتها في صنع القرار داخل المؤسسة التنفيذية الأعلى في البلاد. 


ناشطون قالوا إن: "ما تصرفه وزارة المرأة ذات العدد الضئيل من الموظفين، لا يتساوى مع المخصصات الإضافية التي تُصرف لمدير عام في رئاستي الوزراء والنواب، وكذلك رئاسة البرلمان".

 

 

التوصيات:


 

-        ضرورة كبيرة لتكثيف الجهود ووضع خطة عمل حقيقية لإعادة إعمار المناطق المحررة قبل إعادة النازحين إليها.

-        تنفيذ مطالب المتظاهرين المطالبين بالعدالة الإجتماعية وتنفيذ الوعود "الإصلاحية".

-        الإهتمام بما يصدر من تقارير حقوقية عن المنظمات المحلية والدولية، وتشكيل لجان تقص للحقائق لمتابعة إنتهاكات حقوق الإنسان.

-        ضبط عمل القوات الأمنية في المناطق المحررة وكذلك القوات المساندة لها، لمنع وقوع أية إنتهاكات لحقوق الإنسان.

-        تسهيل مهام الصحافيين العاملين في العراق، ومنع الإعتداءات المتكررة عليهم من قبل القوات الأمنية أو الجماعات المسلحة.

-        التأكد من عمليات التغيير الديموغرافي التي تشهدها بعض المدن العراقية والحد منها.

-        ضرورة إقرار قانون حقوق الطفل والطلب من مجلس شورى الدولة إرساله للمجلس.

-        مراجعة قانون العقوبات وتعديله وفق المعايير الدولية.

-        تشريع قانون يحمي الأقليات ويحافظ على وجودهم الضروري في البلاد.

-        زيادة عدد مقاعد الاقليات في مجلس النواب والمجالس المحلية.

-        ضمان حرية التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي وفقاً للتشريعات الوطنية والدولية.

-        السعي لمحو الأمية وخلق بيئة ملائمة للتعليم. 

-        تطوير وإعداد المستشفيات والمراكز الصحية وتزويدها بالمعدات الطبية الحديثة.