يعرب المرصد العراقي لحقوق الإنسان عن قلقه البالغ واستنكاره الشديد إزاء ما جرى مؤخرًا في مجلس النواب العراقي من تمرير تعديل قانون الأحوال الشخصية وقانون العفو العام. تُظهر هذه الخطوة بشكل واضح هيمنة المصالح السياسية الضيقة على العمل التشريعي، في وقت يتطلع فيه الشعب العراقي إلى قوانين تحمي حقوق الإنسان وتعزز العدالة الاجتماعية.
ما حدث لا يمثل إرادة الشعب بقدر ما يعكس صفقات سياسية بين الكتل المهيمنة، خاصة الإطار التنسيقي والقوى السنية، اللذين يتحملان مسؤولية هذا التراجع الخطير في فهم التشريعات وحاجتها.
إن قانون العفو العام بصيغته الحالية يُثير قلقًا عميقًا بشأن تداعياته الأمنية والقضائية. الهدف المعلن للقانون هو توفير فرصة لإعادة محاكمة الأبرياء وإنصافهم، ولكن النصوص الواردة فيه تفتح الباب أمام احتمالية استغلاله لإطلاق سراح متورطين في جرائم إرهابية وفساد مالي. هذه المخاطر ليست نظرية فحسب، بل واقعية في ظل غياب آليات واضحة لضمان الشفافية والعدالة في تطبيق القانون.
المادة 19 من الدستور العراقي تؤكد أن "العدالة أساس الحقوق"، ومع ذلك، يبدو أن هذا القانون صُمم بطريقة تتيح للبعض الإفلات من العقاب. لا يمكن أن نغفل أن تمرير هذا القانون في هذا التوقيت يأتي في سياق سياسي مشحون، حيث تسعى بعض الأطراف إلى كسب دعم سياسي على حساب أمن المجتمع.
على نفس القدر من الخطورة، جاء تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 ليُثير مخاوف حقيقية بشأن حقوق المرأة والطفل في العراق. هذا التعديل يفتح الباب أمام تطبيق أحكام مذهبية قد تؤدي إلى زيادة حالات زواج القاصرات وتقويض حقوق المرأة في الطلاق والميراث والحضانة. التعديلات بهذا الشكل تُهدد المكتسبات القانونية التي صمدت لعقود، وتُضعف العدالة الاجتماعية.
المادة 14 من الدستور العراقي تنص بوضوح على المساواة بين جميع العراقيين أمام القانون، والمادة 29 تُلزم الدولة بحماية الأسرة والأطفال ومنع الاستغلال والعنف. ومع ذلك، فإن هذا التعديل يعكس توجهًا سياسيًا ضيقًا، يُغلب المصالح الحزبية على مبادئ حقوق الإنسان والعدالة.
لا يمكن فصل تمرير هذين القانونين عن بعضهما البعض؛ إذ يشكلان جزءًا من صفقة سياسية واضحة بين القوى الشيعية والسنية في مجلس النواب. هذه الصفقة تُظهر بجلاء أن البرلمان قد انحرف عن دوره الأساسي كممثل للشعب وحامٍ لحقوقه، ليصبح ساحة لتبادل المصالح الحزبية.
إن القوانين التي تُشرّع بهذه الطريقة ليست سوى انعكاس لفقدان التوازن بين المسؤولية والسلطة داخل مجلس النواب. لقد أصبحت المصالح السياسية الضيقة أولوية على حساب القيم الدستورية وحقوق المواطنين.
من المؤسف أن يتم تجاهل المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية عند صياغة وتمرير قوانين تؤثر بشكل عميق على حياة الأفراد. تمرير هذه القوانين دون أي نقاش مجتمعي أو استشارة للخبراء في مجال حقوق الإنسان والقانون، يُظهر استهانة بمبدأ التشاركية الذي يجب أن يكون ركيزة في صنع القرار التشريعي.
لقد أثبت المجتمع المدني في العراق أنه شريك فعّال في حماية حقوق الإنسان وتعزيز العدالة. وتجاهله في هذه العملية يُعد إخلالًا بالمبادئ الديمقراطية ويزيد من الفجوة بين المؤسسات التشريعية والمواطن. إن القوانين التي تُشرّع دون إشراك كافة الأطراف الفاعلة تكون ناقصة وقد تحمل في طياتها مخاطر طويلة الأمد على استقرار البلد. إن غياب التشاركية يعني غياب التوازن، وفتح المجال لتمرير قوانين تخدم مصالح محددة فقط.
إن العراق بلد متعدد الثقافات والأديان والمذاهب، ومن غير المقبول أن تُشرع القوانين بشكل يتجاهل هذا التنوع الغني الذي يُعد مصدر قوة إذا ما أُحسن التعامل معه. قانونا العفو العام وتعديل الأحوال الشخصية بصيغتهما الحالية قد يُفسران من قبل بعض الأطراف على أنهما محاولة لتقويض العدالة لصالح فئات معينة، مما يُهدد وحدة النسيج الاجتماعي.
كما أن التشريعات التي تُصاغ دون مراعاة التنوع الثقافي والاجتماعي تؤدي إلى خلق حالة من عدم الثقة بين المكونات المختلفة. هذه الحالة لا تقتصر على تقويض التعايش السلمي، بل تزيد من الانقسامات التي يمكن أن تؤدي إلى أزمات أكبر. المادة 3 من الدستور العراقي تؤكد على أهمية التعددية والتعايش السلمي، لكن هذه القوانين تتجاهل هذه المبادئ بشكل واضح.
إن المرصد العراقي لحقوق الإنسان يُحذر من أن تمرير قوانين تتجاهل حقوق الإنسان والمبادئ الدستورية سيؤدي إلى نتائج كارثية على استقرار العراق ومستقبل شعبه. ندعو القوى السياسية، خاصة الإطار التنسيقي والقوى السنية، إلى تحمل مسؤولياتها والعمل من أجل تعزيز العدالة وحماية حقوق الإنسان.
إن القوانين وُجدت لحماية الإنسان وصون كرامته، وليس لجعل حياته أكثر تعقيدًا أو تهديدًا. القانونان بصيغتهما الحالية يُعرضان حقوق الإنسان للخطر، ويُهددان بمزيد من الانتهاكات بدلًا من أن يكونا وسيلتين لتحقيق العدالة. تمرير قوانين كهذه يعكس غياب الرؤية الإنسانية لدى القوى السياسية التي تسعى لتحقيق مكاسب آنية دون اعتبار لتبعاتها المستقبلية.