قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان، إن القوات الأمنية العراقية، ارتكبت جريمة قتل جماعية يوم الخميس (30 كانون الأول 2021) في محافظة بابل جنوب العاصمة بغداد، عندما نفذت عملية قتل متعمد بحق مجموعة مدنيين.
وبحسب معلومات المرصد، فإن "ضابطاً لدى وزارة الداخلية، قدم معلومات مضللة بشأن وجود إرهابيين مطلوبين في منزل بناحية جبلة في محافظة بابل، وعلى إثر ذلك توجهت قوة ضاربة لمواجهة واعتقال متهم يُدعى رحيم كاظم عيادة الغريري (صاحب المنزل)".
وتؤكد المعلومات، أن "الضابط الذي قدم معلومات مضللة، كان على خلاف شخصي وعائلي مع عائلة الغريري، وعلى إثر ذلك هاجمت قوات (سوات) التابعة لوزارة الداخلية المنزل الذي كان يضم مدنيين عُزل، بينهم نساء وأطفال، وقتلت 19 شخصاً".
وأشار إلى أن "القوات الأمنية العراقية التي هاجمت منزل الغريري، نفذت إعداماً ميدانياً، وخالفت القانون الدولي الإنساني، الذي يحث أطراف النزاع في كل الأوقات التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين بهدف الحفاظ على السكان المدنيين وعلى الممتلكات المدنية. ولا يجوز أن يتعرض السكان المدنيون للهجوم لا جماعة ولا أفراداً".
بدوره، قال مسؤول أمني خلال مقابلة مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان، إن "القوة المهاجمة استخدمت القوة المفرطة، واستخدمت رشاشات ثقيلة وقنابل غاز لضرب المنزل الواقع في منطقة ريفية، مما أودى بحياة الغريري وعائلته، من ضمنهم نساء وأطفال، أحدهم كان رضيعاً لم يتجاوز عمره الشهر".
أشار المسؤول الأمني إلى أن "المعلومات المضللة قدمت من قبل نقيب في وزارة الداخلية، وكان على خلاف مع عائلة الغريري ويحاول الانتقام منهم، كما أن القوة التي هاجمت المنزل كانت من ضمن قوات محافظة بابل وترتبط بوزارة الداخلية، ولم تأتِ من بغداد، وإنما القوة التي جاءت من العاصمة، هي قوة صغيرة من خمسة أشخاص لأجل التأكد من تنفيذ مذكرتي القبض بحق شخصين آخرين".
وأوضح المرصد، أن "القوات العراقية مارست مخالفة قانونية عندما اقتحمت منزلاً فيه أطفال ونساء دون وجود مذكرة قبض قضائية، كما ارتكبت مخالفة أخرى عندما شنت هجوماً مسلحاً استمر لأكثر من ساعة على منزل بناءً على معلومات كاذبة".
وتحتاج القوات العراقية إلى تدريبات تؤهلها لممارسة عمليات الاعتقال والمداهمة، خاصة تلك التي تكون في مناطق مأهولة بالمدنيين، فالتجارب السابقة أكدت أن أخطاءً كبيرة تُرتكب من قبل القوات العراقية بسبب عدم امتلاكها تدريبات بهذا الشأن، حسب تقرير المرصد.
كما قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان، إن "السلطات الأمنية العراقية حاولت تضليل الرأي العام للتغطية على الجرمية التي ارتكبتها قوات (سوات)، واتهمت صاحب المنزل بالمتاجرة في المخدرات، في محاولة منها لكسب عطف الشارع ضد الضحايا".
وفقاً لمعلومات المرصد، فإن "بعض الضحايا من عائلة الغريري، قتلوا بسبب غاز القنابل التي رميت على المنزل، كما أن بعضهم أصيب برصاصات في الرأس، وهذا يعني أن هناك شكوكا حول عملية إعدام ميداني".
ادّعت القوة الأمنية التي اقتحمت المنزل، وكذلك أشخاصاً يعملون لدى وزارة الداخلية ويتعاطون مع وسائل الإعلام بصفتهم "مصادر أمنية" في البداية، أن "رحيم الغريري قتل عائلته وانتحر، وهو ما تبيّن بطلانه لاحقاً عند تشريح الجثث حيث تبيّن أن بعض الضحايا قضوا بفعل الدخان المنبعث من قنابل الغاز التي ألقيت على المنزل الذي كانوا محاصرين بداخله، وآخرين قتلوا برصاص القوات الأمنية".
فيما قال أقارب الضحايا خلال مقابلات مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان: "لكون الغريري تعرّض لتهديدات سابقة، وخوفه من اقتحام منزله ومهاجمته، أطلق النار باتجاه القوات الأمنية".
قالوا أيضاً، إن "الرجل شاهد أشخاصاً بزي مدني يقتربون من منزله المبني وسط أرض زراعية ولا يجاوره منزل قريب -بحكم طبيعة البناء في الأراضي الزراعية – ولمح من بين القادمين أشخاصاً على علاقة بالضابط فأطلق النار لإبعادهم فاستعانوا بقوة خاصة أبلغت أن إرهابيين إثنين داخل المنزل، وتعاملت مع الموقف على هذا الأساس".
تحدث خبراء في الأسلحة والمعدات العسكرية خلال مقابلة مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان:" من الآثار والثقوب التي لحقت بجدران المنزل، تبيّن استخدام قوة (سوات) لأسلحة فتاكة لا تستخدم إلا في ميادين القتال وحالات الحرب، ولا يصح استخدامها لمهاجمة منزل سكني داخل منطقة مدنية، حتى لو كان في داخلها شخص مطلوب خاصة إذا ما كان من المحتمل وجود مدنيين من عائلته".
وتابع المرصد العراقي لحقوق الإنسان: "مجرد استخدام تلك الأسلحة في هذه الحالة، فهي مخالفة للقوانين الدولية والمعاهدات الناظمة لحقوق الإنسان وتعامل العسكر مع المدنيين والحفاظ على سلامتهم كأولوية قصوى عند مطاردة مطلوب ما".
وينص القانون الدولي الإنساني، على ضرورة أن "توجه الهجمات ضد الأهداف العسكرية دون غيرها. وللأشخاص الذين لا يشاركون أو لم يعد بإمكانهم المشاركة في العمليات العدائية الحق في أن تحترم حياتهم وسلامتهم البدنية والعقلية. ويجب أن يحمى هؤلاء الأشخاص ويعاملوا في جميع الأحوال معاملة إنسانية وبدون أي تمييز مجحف".
ويتابع المرصد العراقي لحقوق الإنسان، حادثة مقتل الغريري وأفراد عائلته، منذ لحظاتها الأولى، وينتظر إعلان نتائج التحقيق ويأمل أن يكون شفافاً ومنصفاً وتتبعه إجراءات صارمة بحق من تثبت إدانته وتقصيره، ولا يفلت من العقاب أي من المتورطين مهما كانت رتبته ومنصبه.
ويؤكد المرصد أيضاً على الحاجة لتضمين مناهج التدريب المتبّعة داخل المعسكرات العراقية التي تتولى إعداد الضباط والمقاتلين لمختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية، مبادئ حقوق الإنسان والتأكد من سلامتهم النفسية ومتابعتهم خلال خدمتهم وقيامهم بالواجبات الموكلة إليهم.
ويطالب المرصد، القوات الأمنية بإيقاف التعامل مع "المصادر القلقة"، والتثبت من الإبلاغات، وأن تسلك هذه الأخيرة الصيغ القانونية قبل الإقدام على أي فعل أمني. لدى العراق سلسلة طويلة من المخالفات القانونية التي تتعلق بالإبلاغات الكاذبة والتي أدت إلى القتل، أو الحبس بتهم كيدية.