قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان، إن الألغام التي خلّفها تنظيم "داعش" وراءه في المدن التي سيطر عليها صيف عام 2014 واستعادتها القوات العراقية لاحقاً، ما تزال تفتك بسكان تلك المدن وتسقط قتلى وجرحى بينهم.
ولا تخلو أي من محافظات نينوى، الأنبار، صلاح الدين، ديالى وكركوك من الألغام وتنفجر كل شهر تقريباً إحداها على مدنيين، خاصة الأطفال منهم ورعاة الأغنام، وعسكريين، كما أنها تتسبب بإعاقة الزراعة وإعادة الإعمار هناك.
ووثق المرصد العراقي لحقوق الإنسان، فقدان بعض الأشخاص حياتهم بعدما عادوا إلى مناطقهم المستعادة من "داعش" حيث انفجرت عليهم مخلّفات حربية قسم منها كانت داخل منازلهم ولم يعرفوا بها لأنهم اكتفوا بتطمينات حكومية مفادها أن مناطقهم آمنة فعادوا إليها ومنهم من أجبر على العودة وترك مخيمات النزوح.
وخلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2021، قُتل وأصيب نحو 100 طفل جراء انفجار ألغام ومخلفات حربية عليهم في العراق، وفق إحصائية للأمم المتحدة، ولا زالت الحوادث المشابهة تتالى منذ مطلع العام 2022.
وعبّرت منظمة اليونسف في 2021 عن انزعاجها من زيادة الوفيات بين الأطفال جراء الألغام، وقالت الحكومة العراقية إنها "بحاجة لدعم دولي".
ويقيّم خبراء ومصادر محلية تحدث إليهم المرصد العراقي لحقوق الإنسان، جهود السلطات العراقية في إزالة الألغام والمتفجرات في المناطق المستعادة من "داعش" بأنها "دون المستوى المطلوب بكثير، مع استخدامها أجهزة بدائية ما يعرّض عناصرها لخطر الموت".
ويقول هؤلاء، إن "الطرق المعقدة التي اتبعها تنظيم "داعش" في نشر تلك الألغام وأساليبه في التمويه تعقّد تفكيكها وتخدع المدنيين والعسكريين، غير المتخصصين على السواء فتنفجر عليهم عندما يعبثوا بها أو يمروا عليها دون معرفة بها".
وأشاروا أيضاً إلى "انعدام أو ضعف ثقافة التعامل مع هذه المتفجرات وعدم بذل السلطات جهوداً كافية في هذا المجال وأقلها تنبيه الناس حول أماكن وجود الألغام وحظر الدخول إلى المساحات الملوّثة بها ووضع ملصقات تحذيرية وتثقيفية تجنّبهم خطر الموت المحتم".
ويعوق هذا الأمر عودة الحياة الطبيعية في تلك المدن التي هي بأمس الحاجة للتعافي وتحسن اقتصادها واستغلال أراضيها بأحسن وجه ممكن.
واطلع المرصد العراقي لحقوق الإنسان على معلومات بشأن إزالة الألغام في مدن شمال وغرب العراق، كشفت مدى خطورة بقاء هذه المتفجرات مدفونة أو ملقاة في المنازل والأحياء السكنية والأراضي الزراعية والمنشآت العامة، وبينها المدارس، وجوانب الطرقات.
وتفيد المعلومات بأن هذه الألغام والمخلّفات الحربية تنفجر بأدنى ضغطة عليها، مع تسجيل أكثر من 1100 ميل مربع من الأراضي تنتشر فيها المتفجرات وهي "أقل بكثير" من الحجم الفعلي للمساحات الموبوءة.
وأشر مختصون تتبعوا -لصالح المرصد العراقي لحقوق الإنسان- بيانات الحكومات المحلية في المدن المستعادة من "داعش" أن "سياسات هذه الحكومات ومشاريعها واهتماماتها تكاد تخلو من قضايا إزالة الألغام وإبعاد خطرها عن السكان باستثناء ما تقوم به منظمات غير حكومية ودولية وهذه الأخيرة تؤكد دائماً أن عملها لوحدها لا يكفي وأنها بحاجة للدعم".
قابل المرصد العراقي لحقوق الإنسان مجموعة نشطاء في محافظة نينوى، وتحدثوا عن الألغام التي ما زالت موجودة في مدينة الموصل، ومدى المخاطر التي يتعرض لها السكان بسببها، خاصة في المدينة القديمة في الساحل الأيمن.
قال النشطاء، إن "الحكومة المحلية تتكتم على المخاطر التي يتعرض لها السكان، وبعض الأحيان لا تعلن عن الانفجارات التي تحدث بين حين وآخر جراء هذه الألغام".
وتتولى القوات العسكرية ومديرية الدفاع المدني مهام إزالة الألغام والمتفجرات غير المنفلقة هناك لكن هذا الحيز من عملها يتأثر بطبيعة واجباتها الأمنية وأحياناً ينتظرون مناشدة أو شكوى أو بلاغ ومعلومة تردهم لكي يتحركوا في هذا الاتجاه، أي لا توجد قوّات مفرّغة لهذا العمل، وفق المصادر المحلية التي تحدث إليها المرصد العراقي لحقوق الإنسان.
وإضافة لمخلّفات "داعش"، تنتشر ملايين الألغام العائدة لحرب الثماني سنوات بين العراق وإيران (1980 –1988) على الشريط الحدودي بين البلدين، من البصرة وحتى السليمانية مروراً بديالى وكذلك ألغام تعود لغزو الكويت في 1991.
وكثيراً من انفجرت بعض هذه الألغام على المدنيين، بضمنهم نساء وأطفال، وأوقعت مئات الضحايا في صفوفهم كما تجرف السيول في كل عام تقريباً العشرات. وأودت هذه المتفجرات بحياة المئات من الأشخاص ومنهم رعاة أو يمتهنون البحث والنبش في الخردة. وفي قضاء شط العرب في البصرة تغيّر اسم قرية جرف الملح إلى "قرية البتران" بسبب فقدان العديد من سكانها أطرافهم نتيجة الألغام والذخائر غير المنفلقة.
وفي كانون الأول الماضي، انفجر لغم على 5 أطفال أثناء عودتهم من المدرسة في قضاء عفك في محافظة الديوانية جنوبي العراق ما أدى لبتر قدم أحدهم وإصابة الآخرين، وبعدها انفجر لغم على أفراد عائلة كانوا في نزهة في محافظة البصرة.
وتلقت السلطات العراقية منذ عام 2014، مئات الملايين من الدولارات كمساعدات من دول ومنظمات عالمية لصرفها في جهود إزالة الألغام والمتفجرات ثم قلّ هذا الدعم لأسباب بينها شكوك المانحين في عدم ذهاب تلك الأموال في الوجهة المحددة لها نتيجة "الفساد" الحكومي في العراق كما اشتكوا من عدم تخصيص البلاد أموالاً من مواردها النفطية لهذا الهدف واتكالها على المجتمع الدولي وهو ما انتقدته بعض الأطراف الدولية علنا".
وأحصت السلطات 34 ألف ضحية للمتفجرات والألغام غير المنفلقة، لكنها تعتقد أن العدد الحقيقي أضعاف ما مسجّل لديها كما تتوقع وجود مساحات ملوّثة لم تحدد كذلك بعد.
جانب آخر من المشكلة يتمثل في سهولة صناعة المتفجرات وتوفر المواد الأولية لها "حتى صار بالإمكان تحويل علبة معجون الطماطم إلى قنبلة واستخدامها في النزاعات العشائرية مثلاً أو للتهديد ونحوه"، كما تقول المصادر المحلية والخبراء الذين تحدث إليهم المرصد العراقي لحقوق الإنسان.
هذه القضايا تعيق بشكل واضح وملموس عودة الحياة الآمنة والمستقرة لسكان المدن المحررة وكذلك ساكني المناطق القريبة من حقول الألغام العائدة لحرب الثمانينيات وتتهدد موارد عيشهم كالزراعة كما تؤثر على سلامة أطفالهم ونسائهم.
والحال هذه، يدعو المرصد العراقي لحقوق الإنسان السلطات العراقية إلى بذل مزيد من الجهود لإزالة الألغام والقذائف والمتفجرات غير المنفلقة وتنظيم عمل البرنامج الذي تتبناه في هذا الصدد واتباع وسائل حديثة واستخدام أدوات متطورة وعدم الاعتماد الكلي على العمل اليدوي فقط.
ويقول المرصد إن تحقق هدف برنامج السلطات العراقية الساعي إلى إزالة جميع الألغام من البلاد بحلول عام 2028 يتطلب دعماً دولياً ومشاركة فعلية على الأرض من جانب منظمات مختصة، كما يحتاج الأمر إلى تدقيق ومراقبة مستمرة فهو مرتبط بحياة الناس بشكل مباشر ويؤثر عليهم.
ويحث المرصد العراقي لحقوق الإنسان الجهات الحكومية المعنية إلى الاهتمام بضحايا الألغام من المعاقين ومعالجتهم وتوفير الأطراف الاصطناعية لمن يحتاجها مجاناً وبآلية سريعة ومباشرة وتقديم أفضل ما يمكن من الخدمات لهم وتسهيل إجراءات تسجيلهم في شبكة الحماية الاجتماعية ودون وسيط أو تعقيد.