مصدر الصورة: موقع رصيف22
3-05-2022, 12:30



               

قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان، إن حرية الصحافة في العراق أدنى  بكثير مما يجب أن تكون عليه في بلد رفع شعار الديموقراطية منذ نحو 20 عاماً، ويكفل دستوره حق التعبير عن الرأي ويلزم السلطات بحمايته.


ومنذ 2003 وصولاً إلى اليوم، سُجلت المئات من حالات قتل الصحفيين والإعلاميين وملاحقتهم واعتقالهم وحتى تغييبهم، وكذلك مداهمة مقرات وسائل إعلام وإغلاق بعضها لأسباب تتعلق بنوع تغطياتها وخطها التحريري.


قال صحفيون وبينهم ضحايا لهذه الانتهاكات خلال شهادات وإفادات قدموها للمرصد العراقي لحقوق الإنسان بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة (3 أيار/مايو)، إن "السلطات والأحزاب النافذة وجماعات متشددة تضيق على الحريات الصحفية والتعبير عن الرأي ولم تتوّرع عن فعل أي شيء لإسكات الصحفيين وردعهم عن البحث في قضايا عديدة مثل الفساد وإساءة استخدام موارد الدولة واستغلالها لمصالح ضيّقة وكذلك تغييب المعارضين وتغطية الاحتجاجات الشعبية وغيرها من المسائل".


ففي التاسع من آيار/مايو 2021 أطلق مسلح النار على رأس المراسل التليفزيوني أحمد حسن من مسافة قريبة في محافظة الديوانية جنوبي العراق ولم يُقبض على الجاني حتى الآن. ويعمل حسن لصالح قناة الفرات المحلية المملوكة لتيار "الحكمة الوطني".


وفي الحادي والثلاثين من آيار/مايو 2021 أخلي مكتب قناة التغيير المحلية في بغداد، بعد تلقي مالكها أكرم زنكنة مسجات على هاتفه تهدده وكادره بالقتل بسبب مقطع فيديو لمقدم برامج في القناة انتقد جماعة مسلحة.

 

ومثلت هذه الحادثة انتكاسة كبيرة بالنسبة لحرية الصحافة في العراق، وصارت مؤشراً ينذر بخطر كبير حول مستقبل الديموقراطية في البلاد.


وفي الخامس من تموز/يوليو 2021 اعتقل راسم كريم مراسل قناة دجلة المحلية المملوكة للسياسي ورجل الأعمال جمال الكربولي، داخل مبنى الحكومة المحلية في ذي قار بعد تعرضه للضرب من قبل قوات الجيش قبل أن يفرج عنه بعد نحو ساعتين.


وفي الثالث عشر من تموز/يوليو 2021 أغلقت السلطات العراقية مكتب قناة روسيا اليوم الروسية في العاصمة بغداد، واحتجزت مديره أشرف العزاوي لساعات قبل أن تطلق سراحه. وبررت السلطات الأمنية عملية اعتقال العزاوي وإغلاق المكتب بعدم "امتلاكه رخصة بث". ولم يجد المرصد العراقي لحقوق الإنسان حينها أي سبب مقنع لإغلاق مكتب القناة الموجود في بغداد منذ نحو 15 عاماً.


وفي الثامن والعشرين من تموز/يوليو 2021 داهمت قوة أمنية تابعة لوزارة الداخلية العراقية، مقر قناة البغدادية في بغداد، واعتقلت مقدم البرامج في القناة علي الذبحاوي قبل أن تُطلق سراحه بعد ساعات. والقناة مملوكة لرجل الأعمال العراقي عون الخشلوك.


ومعروف أن الذبحاوي يوجه انتقادات لاذعة إلى السلطات والأحزاب العراقية، ويستضيف في برنامجه الذي يقدمه في قناة البغدادية، شخصيات تعبر عن آرائها بشكل واسع وصريح.

وفي الخامس من أيلول/سبتمبر احتجزت السلطات الأمنية في محافظة كركوك، خمسة صحفيين يعملون لصالح قناتي كركوك الآن و(NRT) المملوكة لرجل الأعمال والسياسي شاسوار عبد الواحد، ووكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية خلال تغطيتهم أحداثاً أمنية في قضاء الدبس بالمحافظة.

وفي الثاني عشر من أيلول/سبتمبر 2021 أبلغ صحفيون المرصد العراقي لحقوق الإنسان، إن "رئيس جامعة ذي قار يحيى الخفاجي، منعهم من تغطية وقفة احتجاجية لأساتذة الجامعة وأجبرهم على مغادرة الحرم الجامعي دون أن يغطوا الوقفة الاحتجاجية".

وفي الثامن والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر 2021 داهمت مجموعة مسلحة مقر قناة (UTV) المحلية وهددوا العاملين فيها. لم تعرف القناة المملوكة لرجل الأعمال والسياسي خميس الخنجر، ولا السلطات العراقية هوية المسلحين الذين داهموا مكتب القناة.


وفي التاسع من تشرين الأول/أكتوبر 2021 أبلغ صحفيون المرصد العراقي لحقوق الإنسان، باختفاء الصحفي علي عبد الزهرة في بغداد. وبعد يومين عاد عبد الزهرة إلى منزله في بغداد وقال عندما أطلق سراحه: "رغم كل شيء حصل وربما يحصل.. أبقى أؤمن بالدولة، لأن الدولة وحدها الأم التي لا تقتل أبناءها، بل تعمل على رعايتهم لا خطفهم".


وفي الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر 2021 تعرض كادر قناة الجزيرة القطرية للضرب على يد عناصر أمن خلال تغطيتهم الاحتجاجات المطالبة بإلغاء الانتخابات قرب المنطقة الخضراء.


ولم تكتف السلطات بذلك، بل احتجزت أيضاً الكادر وهم كل من ريحان الموصلي، وموفد القناة إلى العراق جوني طانيوس. ولم تطلق سراحهم إلا بعد ساعات شهدت تكسير معداتهم والاعتداء عليهم.


وفي الثاني من كانون الأول/ديسمبر 2021 اعتقلت قوة من مكافحة إجرام محافظة الأنبار مراسل قناة العهد مجيد الفهداوي بسبب تسليطه الضوء على الأوضاع في المحافظة. يذكر أن قناة العهد مملوكة لحركة "عصائب أهل الحق".


وأبلغ زملاء الفهداوي المرصد العراقي لحقوق الإنسان، أن زميلهم تعرض لضغوط ومضايقات من متنفذين في المحافظة للتوقف عن إعداد التقارير التي "تسيء للمحافظة".


وفي السابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر 2021 رفع أمين بغداد علاء معن دعوى قضائية ضد مقدم البرامج في قناة الرشيد المحلية ياسر عامر أمام محكمة بداءة الرصافة مطالبا بتعويض مالي قدره ربع مليار دينار عراقي (200 ألف دولار أميركي تقريباً)، بسبب البرنامج الذي يقدمه وينقل سوء الخدمات في العاصمة. وتعود ملكية قناة الرشيد لرجل الأعمال والسياسي سعد عاصم الجنابي.


وفي الرابع من نيسان/أبريل 2022 رفعت وزارة الدفاع العراقية دعوة قضائية على مقدم البرامج في قناة (UTV) أحمد ملا طلال والممثل إياد الطائي بسبب مشهد تمثيلي في البرنامج انتقد "الفساد" في المؤسسة العسكرية.


ومثل ملا طلال والطائي أمام القاضي بعد نحو أسبوع على رفع الدعوى، وفي العاشر من ذات الشهر، قال طارق المعموري وهو رئيس فريق الدفاع عن المتهمين، إن "محكمة تحقيق الكرخ الثالثة أطلقت سراح الإعلامي أحمد ملا طلال والفنان إياد الطائي بضمان تعهد شخصي".


وبالتزامن مع ذلك قررت هيئة الإعلام والاتصالات إيقاف البرنامج، لكنها عادت بعد أيام لرفع الإيقاف، إلا أن ملا طلال قرر إيقاف برنامجه خلال الفترة التي تبقت من شهر رمضان.


وفي التاسع من نيسان/أبريل 2022 أعلنت شبكة الإعلام العراقي (مؤسسة شبه رسمية) إنهاء خدمات الإعلامي صالح الحمداني من العمل في الشبكة بسبب منشور له نشره قبل عشر سنوات على حسابه في الفيس بوك سخر من تجمع في ذكرى تأبين رجل الدين الراحل محمد باقر الصدر.


وجاء في نص كتاب إنهاء الخدمات: "تقرر إنهاء خدمات صالح حسين علي الحمداني من العمل في الشبكة لمخالفته المادة 5 والتي تنص على تعزيز ودعم المبادئ  والممارسات الديمقراطية وتشجيع تقبل الرأي الأخر وثقافة التسامح".

وجميع هذه الحالات المثبّت بعضها بالصورة والصوت، واطلع المرصد العراقي لحقوق الإنسان، على تفاصيلها واستمع لشهادات موّثقة بشأنها، ارتبطت بعمل المستهدفين ونشاطاتهم لا غير.


ويقول كل من تحدث إليهم المرصد العراقي لحقوق الإنسان من أجل إعداد هذا التقرير، إن "السلطات أساءت استخدام القانون سواءً عند اعتقالها للصحفيين خلال العام الماضي في الشوارع أثناء عملهم الميداني أو في أماكن سكنهم، ولم تلتزم بإبلاغهم لاستدعاء أعضائها المشكو منهم إلى المحاكم كمسار أول قبل إحضارهم بالقوّة".


وينتقدون أيضاً ما يصفونه بـ"إهمال السلطات التام وتراخيها في القيام بواجباتها إزاء حوادث إطلاق النار على الصحفيين ومضايقتهم وملاحقتهم وتهديدهم من قبل مسلحين يعتقد أنهم تابعون لجهات متنفذة وأحزاب سياسية حاكمة وفصائل مسلحة، رغم وجود ما يمكن اعتباره أدلة تقود إلى الفاعلين".


واضطر عشرات الصحفيين إلى الهجرة من جنوب ووسط العراق إلى إقليم كوردستان أو إلى بلدان أخرى إثر تهديدهم وملاحقتهم وما تعرض له زملاؤهم. يشكو هؤلاء الصحفيون خلال إفاداتهم للمرصد العراقي لحقوق الإنسان، من "كثرة وتشابك الخطوط الحمراء التي إن تجاوزوها، إما سيُقتلوا أو يُهددوا".


هذا الشعور يكتنف صحفيون يعملون في داخل العراق وتحدث إليهم المرصد العراقي لحقوق الإنسان لاستطلاع آرائهم أيضاً. سبق أن طالب المرصد البرلمان في دورته الخامسة الجديدة بتحرير قانوني حرية التعبير وحق الحصول على المعلومة من أدراجه وتشريعه لتأسيس أجواء مناسبة للصحافة في العراق، لكن دون جدوى حتى الآن.


ويؤكد المرصد العراقي لحقوق الإنسان، من دون هذين القانونين وكذلك من دون التزام السلطات بواجباتها القانونية والدستورية فإن العراق سيبقى قابعاً في ذيل التقارير الدولية التي تحترم الحريات الصحفية وحق الرأي. وبمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، يجدد المرصد مطالبته بتشريعهما (قانون حرية التعبير وحق الحصول على المعلومة)، بأسرع وقت ممكن.


ويدعو المرصد العراقي لحقوق الإنسان السلطات المعنية إلى ضمان أمن الصحفيين ووسائل الإعلام واتباع السبل القانونية في استدعاءهم لمراكز الشرطة أو المحاكم في حال ارتكابهم مخالفات مرتبطة بعملهم من خلال إبلاغهم بضرورة الحضور إلى هذه المرافق وعدم اعتقالهم من منازلهم أو من الشوارع.


ويشدد المرصد كذلك على ضرورة تعديل فقرات في قانون العقوبات العراقي النافذ والتي تضيّق على حريات الصحافة وتمكّن المتنفذين من استغلالها ضدّ الصحفيين.


وتتيح فقرات في قانون العقوبات العراقي لسنة 1969، تغريم وسجن وحتى إعدام من يدان بجملة قضايا كـ"إهانة" رئيس الجمهورية أو البرلمان أو الحكومة، كما يفرض هذا القانون عقوبة السجن 7 سنوات على من "يهين" المحاكم أو القوات المسلحة أو السلطات العامة أو الوكالات والهيئات الحكومية. وهذه مصطلحات مطاطية تسمح لتكون مقيداً لحرية التعبير.


ويؤشر خبراء القانون الذين تحدثوا إلى المرصد العراقي لحقوق الإنسان، وجود تعارض بين تلك الفقرات من قانون العقوبات الذي وضعته قبل عقود، حكومات ميّالة لتقييد حرية التعبير والتنكيل بمعارضيها وأي شخص يتعرض لها بالنقد وحتى إعدامهم بعد محاكمات صورية، وبين الدستور النافذ الذي يكفل حرية التعبير.


قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان، إن "نصوص مواد قانون العقوبات لسنة 1969، وهن على التوالي، 81 - 82 - 83- 84 - 201 – 202 - 210 - 211- 215 - 225 - 226- 227 - 403- 433 - 434، فضفاضة ويمكن تدويرها وفق أهواء شخصية لتفضي بالمتهمين وفقها إلى عقوبات جسيمة لا تتناسب مع مستوى مخالفاتهم والضرر الناجم عنها، إن وجد أصلاً".


ويؤكد المرصد العراقي لحقوق الإنسان، أهمية عدم تقييد حرية الصحافة في العراق، واحترام العاملين في القطاع الصحفي واحترام حرية الرأي والتعبير عنه، فالأنظمة الديموقراطية لا تُبنى من دون حرية صحافة".