شارع في العاصمة العراقية بغداد - GETTY IMAGES
23-05-2022, 13:54



قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان إن التوقعات تشير إلى احتمالية حدوث موجات نزوح بسبب الجفاف والعواصف الترابية خاصة من المناطق الجنوبية وهذا تحذير يحتم على الحكومة العراقية اتخاذ السبل الكفيلة للحفاظ على حياة المدنيين ومنع النزوح المتوقع.


ويحذر خبراء تحدثوا إلى المرصد العراقي لحقوق الإنسان مما وصفوه بـ"إهمال السلطات" للتغير المناخي في البلاد، وآخر آثاره العواصف الترابية القوية المتكررة، الأمر الذي يضع البلد وسكانه أمام كارثة وشيكة قد تؤدي لموجات نزوح جديدة.


اطلع المرصد العراقي لحقوق الإنسان على دراسة لوزارة البيئة العراقية قبل سنوات، كتب فيها المدير الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة - مكتب غرب آسيا إياد أبو المغلي كلمة، قال فيها إن "92% من مساحة العراق معرضة للتصحر".


وبالتوازي مع تراجع حاد في مناسيب نهري دجلة والفرات وبقية الأنهر في العراق، وجفاف بحيرتي ساوة في محافظة المثنى وحمرين في ديالى، تهب عواصف الرمال وتغطي أغلب مدن العراق بشكل بات شبه يومي أو أسبوعي ما أدى لأكثر من حالة وفاة، وإصابة الآلاف بحالات اختناق.


ويوم الخميس (5 مايو/ أيار) الجاري، سجلت وزارة الصحة حالة وفاة واحدة وما لا يقل عن 5 آلاف حالة اختناق عندما غطى غبار برتقالي كثيف محافظات بغداد والأنبار وكركوك وصلاح الدين والنجف وغيرها وأدت إلى وقف الرحلات الجوية من وإلى مطاري بغداد والنجف مؤقتاً.


قال ذو الفقار المعموري (28 عاماً) خلال مقابلة مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان: "أعاني من الاختناق والحساسية كلّما هبت عاصفة ترابية".


زار هذا الشاب الذي يعيش وحده في شقة وسط بغداد، ويعاني من مشكلة في قصباته الهوائية، المستشفى أكثر من مرة للحصول على الأوكسجين الطبي لكن "سوء الخدمات والمعاملة السيئة التي لقيتها وكذلك كبار السن الذين تكدسوا هناك، جعلتني أعود إلى شقتي والآن اشتريت جهاز تبخير منزلي استخدمه كلّما هبت عاصفة" وفقاً لقوله.واضطرت عائلة المعموري، الساكنة في بلدة النيل شمالي مدينة الحلة في محافظة بابل ويعاني أفرادها من تحسس في القصبات الهوائية أيضاً، لشراء جهاز مماثل بنصيحة منه.


ويتوقع خبراء حصول موجات نزوح جديدة تطال هذه المرة فئات متعددة "مالم يتم فعل شيء يخفف وطأة العواصف الترابية".




ويدرج هؤلاء الخبراء الذين تحدثوا إلى المرصد العراقي لحقوق الإنسان، تجريف البساتين والأراضي الزراعية لبناء منازل أو مجمعات تجارية عليها، وكذلك الاحتباس الحراري العالمي وآثار عمليات استخراج النفط والجفاف العام، ضمن أسباب التصحر وارتفاع درجات.


قال أستاذ التلوث البيئي في الجامعة المستنصرية في بغداد، إياد عبد المحسن خلال مقابلة مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان: "الكارثة آتية لا محالة، والعراقيون جميعهم سيعانون من آثارها، مالم تسارع أجهزة الدولة إلى فعل شيء".


وينتقد عبد المحسن عدم تأسيس الحكومات العراقية المتعاقبة صندوقاً مالياً أو هيئة علمية لإدارة الكوارث، كما يقترح، خلال حديثه للمرصد العراقي لحقوق الإنسان، تنفيذ برنامج تشجير يمتد من نينوى إلى البصرة على أن تتولى إدارة كل محافظة قطاعها المحدد فقط.


وأضاف أن "العراقيين سيظلمون أنفسهم بأنفسهم ويتعرضون لخطر كبير وهائل مادياً وصحياً وبيئياً ما لم يسارعوا لمعالجة الأمر. الكارثة واضحة للجميع الآن وستتفاقم طالما لا تواجه بحل علمي سريع".


ويفقد العراق وفقاً لمسؤولين عراقيين نحو 100 ألف دونم زراعي سنوياً من أصل 32 مليون دونماً زراعياً في عموم البلاد، وهذا كله بسبب ما يُسمى "الاستثمار" غير المدروس الذي قضى على نسبة كبيرة من المساحات الزراعية الخضراء في بغداد ومدن أخرى.



وتعطل العواصف الترابية حال هبوبها الكثير من الأشغال ما يؤثر على اقتصاد فئات تعيش على الدخل اليومي وليس لديها من المال ما يكفي لعيش أكثر من يوم واحد.


علي يحيى، سائق أجرة شاب لديه طفلان ويسكن في الإيجار بحي الشعب في بغداد، قال للمرصد العراقي لحقوق الإنسان: "عندما تأتي العاصفة الترابية تخلو الشوارع من المارّة ويتوقف عملي فأعود إلى المنزل وأنا أفكر كيف سأوفر الإيجار ومصروف المنزل واحتياجات الأطفال الكثيرة".


وأضاف يحيى وهو يسعل بسبب غبار خفيف تصاعد في سماء بغداد مساء الجمعة (13/ مايو أيار)، أن "العواصف ستفقده رزقه إن تكررت يومياً".


يعاني العراق من جفاف كبير وتصحر إثر خسارته ما نسبته 30 بالمئة من كميات المياه التي كان يحصل عليها من نهري دجلة والفرات، بينما توقع تقرير رسمي صادر في عام 2018 من خسارة العراق نسبة 50 بالمئة من مياه هذين النهرين اللذين يمثلان شريان الحياة بالنسبة له جراء سياسات تركيا وإيران اللتان تستأثران بالمياه وتبنيان السدود والمشاريع على المنابع.


ودفع هذا الحال بآلاف الأشخاص والعائلات في جنوب العراق إلى النزوح باتجاه مناطق أخرى، خاصة ممن يعتمدون على الزراعة والرعي لكسب لقمة العيش، وتضرر في المجمل 7 ملايين من نحو 40 مليون عراقي وفق أرقام قدمها رئيس الجمهورية برهم صالح في وقت سابق.


قال الخبير الزراعي عادل المختار إن "المشكلة لا تحل بتأمين غطاء نباتي وزراعة نخيل وأشجار فقط وهذا أصلا غير ممكن في ظل الجفاف وشح المياه الذي يعاني منه العراق ونتوقع له أن يسوء أكثر".


ويشير الخبير خلال حديثه للمرصد العراقي لحقوق الإنسان، إلى أن "العراق يعاني من مشكلة مركبة. نحن سنخسر المياه إن زرعنا غطاءً نباتياً، وعندما نتجاوز مشكلة عواصف التراب فإن نضوب المياه التي هي قليلة أصلاً سيضر بنا أكثر حتى لا نجد مياهاً للشرب فضلاً عن الزراعة".


وكان مسؤول بيئي كبير توقع في وقت سابق ارتفاع عدد الأيام المغبرة في العراق إلى 272 يوماً في السنة لفترة عقدين من الزمن ثم تصل إلى 300 يوم مغبر في السنة خلال 2050.


يدعو المرصد العراقي لحقوق الإنسان، أجهزة الدولة المعنية بقضايا المناخ والبيئة والزراعة إلى إيلاء أهمية قصوى لمشكلة الجفاف والتصحر والتخفيف من آثار العواصف الرملية والغبار، والعودة إلى العلماء المختصين في هذه المجالات والاطلاع على تجارب دول أخرى تشبه العراق بظروفه المناخية.


ويشدد المرصد على ضرورة ألا تكتفي هذه الدوائر بإطلاق التحذيرات فقط، بل أن تعمل على إيجاد الحلول الممكنة، خاصة وأن الأعداد المتوقع تضررها من الأتربة قد تصل عشرات الآلاف شهرياً، وهذه أرقام كبيرة قد يعجز النظام الصحي العراقي المتهالك على توفير المساعدة لها.


كما يحث المرصد دوائر البلدية في عموم العراق إلى منع قطع الأشجار والنخيل بشكل حازم وتحديد مساحة خضراء ملزمة في المباني الجديد كشرط مقابل منح إجازة البناء لها، وكذلك إلزام المجمعات الصناعية والتجارية والدوائر الحكومية وغيرها بتعويض ما تقطعه من أشجار بحجة "استغلال المساحة" وزرع أخرى جديدة في أماكن بديلة داخل المنشآت ذاتها.


ويطالب المرصد العراقي لحقوق الإنسان الجهات المسؤولة عن تحديد ميزانية العراق المالية وموارد صرفها بخصيص جزء من الميزانية الخاصة بهذا العام، 2022، وما يتلوه من أعوام، لقضايا المناخ بغية تفادي "كارثة تفاقم التغير المناخي".