عوائل المفقودين في العراق - المرصد العراقي لحقوق الإنسان
10-12-2022, 10:25



ملخص:

يوثق هذا التقرير قضية المفقودين والمغيبين قسراً في العراق ويتضمن شهادات لذوي المفقودين والمغيبين قسراً. ١١ ألف عائلة أبلغت عن فقدان ذويها خلال السنوات الأخيرة. ربما هناك عدد أكبر من المفقودين والمغيبين قسراً لكن عوائلهم لم تتخذ الإجراءات القانونية للإبلاغ عنهم.



قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان إن أكثر من ١١ ألف عائلة عراقية أبلغت عن مدنيين فقدوا خلال الثماني سنوات الماضية، خاصة في الفترة بين عامي (٢٠١٧ – ٢٠٢٢) وهي الفترة التي شهدت سيطرة تنظيم "داعش" على ثلث الأراضي العراقية قبل أن تحررها القوات الأمنية العراقية في تشرين الأول عام ٢٠١٧.

 

يصنف العراق من أكثر البلدان التي شهدت حالات اختفاء وفقدان للأشخاص خلال العقود الخمسة الماضية، فوفقاً للجنة الدولية للصليب الأحمر "يوجد في العراق أكبر عدد من الأشخاص المفقودين في العالم، نتيجة عقود من النزاعات والعنف".

 

لعبت الحرب على العراق عام (٢٠٠٣) وغياب سلطة إنفاذ القانون وانتشار الجماعات المسلحة والإرهابية، أدواراً كبيرة في اختفاء وفقدان عشرات الآلاف من العراقيين خلال العقدين الماضيين، يُضاف إلى ذلك إهمال الحكومات العراقية الذي ساعد في ازدياد أعداد المفقودين والمختفين بسبب إهمال السلطات لأي شيء يمكنه ملاحقة ومحاسبة الجناة.

 

لم تبذل الحكومات العراقية جهداً حقيقياً لمعرفة مصير المفقودين والمختفين قسراً، ويدل ذلك على أن ملف المفقودين والمختفين قسراً ليس من أولوياتها ولا يبدو أنه سيكون من أولويات مؤسسات الدولة العراقية نظراً لمرور ثمانٍ سنوات على فقدان آلاف المدنيين دون معرفة مصير أي منهم.

 

وفقاً لمعلومات حصل عليها المرصد العراقي لحقوق الإنسان فإن "أكثر من ١١ ألف عائلة عراقية أبلغت عن أفراد فيها فقدوا واختفوا خلال السنوات الثمانية الماضية" وكانت أكثر البلاغات تتعلق بالفترة بين عامي (٢٠١٧ – ٢٠٢٢).

 

في مقطع الفيديو هذا الذي نشره المرصد العراقي لحقوق الإنسان على صفحته في الفيس بوك بتاريخ (١٠ تشرين الثاني ٢٠٢٢) قالت امرأة في عقدها السادس وهي والدة شاب يُدعى بلال مؤيد: "ذهبت إلى كل مكان، ولا أحد أعطاني أي معلومة عن ابني. أين أجدك ابني بلال. كيف تركتني وأنت الذي قلت لي لن أتركك".

 

قالت أم بلال وهي تبكي: "لم يبق لي غير صورتك يا أمي. أين أجدك. الذي يحب الله ورسوله ليدلني على طريق ابني. تعبت يا ابني. خذوا عين واحدة واتركوا لي الثانية لرؤية ابني بها. من الذي أخذك مني يا ابني. أتمنى الموت بعدك يا ابني".

 

قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان، نتابع هذا الملف عن كثب منذ سنوات، واتضح لنا أن السلطات العراقية لم تسأل ولو لمرة واحدة قواتها أو تلك الجماعات المسلحة المساندة لها عن مصير الأشخاص الذين اعتقلوا بعشوائية وبمجرد الاشتباه، ولم تلتقِ بذويهم أو ترسل لجاناً إلى المناطق التي اقتيدوا منها لجمع الشهادات والأدلة التي تكشف عن مصيرهم. للأسف كانت الحكومات العراقية تكافئ الجناة بإهمال هذا الملف.





عمليات التحرير من "داعش"

 

شهدت العمليات العسكرية لتحرير المدن من تنظيم "داعش" (تشرين الأول ٢٠١٦ - وتشرين الأول ٢٠١٧)، اختفاء آلاف المدنيين في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين، ووثق المرصد العراقي لحقوق الإنسان في محافظة نينوى لوحدها أكثر من 250 حالة لأشخاص لا يُعرف مصيرهم حتى الآن.

 

خلال هذه الفترة التي شهدت قتالاً ضارياً ضدّ تنظيم "داعش" وثّقت مقاطع مصوّرة انتشرت بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي وتداولتها وسائل الإعلام حينها، اقتياد مئات الأشخاص المدنيين في مناطق متفرقة من قبل قوات رسمية أو فصائل تقاتل إلى جانب الدولة، وغالبية أولئك الأشخاص لم يعرف مصيرهم بعد.

 

أجرى المرصد العراقي لحقوق الإنسان مقابلة فيديوية مع رجل في عقده السابع وهو يتحدث عن فقدان ابنيه وليد وسعيد. قال الرجل: "اثنان من أولادي فقدوا في (٢٤ تشرين الأول ٢٠١٧) من منطقة وادي حجر بمدينة الموصل. أخذتهم القوات الأمنية ولا يُعرف مصيرهم. لدينا معلومات بأن القوات الأمنية أخرجتهم من المدينة القديمة وكنيسة قريبة بالقرب من جامع النوري".

 

وأضاف: "تصلنا معلومات بأنهم لدى القوات الأمنية لكن حتى اللحظة لا نعرف مصيرهم ولا نعرف أي شيء عنهم. نطالب الحكومة بمعرفة مصيرهم فليس من المعقول أن نفقدهم بهذه الطريقة".

 

قالت امرأة من مدينة الموصل خلال شهادة للمرصد العراقي لحقوق الإنسان: "إنّي أم المعتقلين المفقودين أيمن ونشوان محمد عبد حسين، أخذهم تنظيم داعش بتاريخ (١٨ شباط ٢٠١٧) من مدينة الموصل. قيل لنا إن الجيش حررهم بعدما اختطفهم داعش في مستشفى الجمهوري واقتادوهم إلى بغداد ومنذ ذلك اليوم لا نعرف عنهم شيئاً".

 

وأضافت: "أحد المعتقلين كان معهم قال لنا إنهم في مطار المثنى لكن لا نعرف عنهم شيئاً. نناشد كل المسؤولين العراقيين لمعرفة مصير أبنائنا. أولادهم ونسائهم في أوضاع صعبة. لماذا يبقوهم في السجون؟ لدينا إثباتات تؤكد لنا بأنهم لدى الدولة. زارنا رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي مرتين ووعدنا بمعرفة مصيرهم لكن لا شيء حدث حتى الآن، وزير الدفاع الأسبق خالد العبيدي اتصلنا به أيضاً لكن لا نتيجة".

 

  

أماكن للاحتجاز السري

 

يُرجح أن يكون الآلاف من المفقودين والمختفين قسراً في أماكن احتجاز بعيدة عن أعين مؤسسات الدولة العراقية، في أماكن لا تستطيع حتى السلطات العراقية الرسمية الوصول إليها ووجهت اتهامات كثيرة لفصائل مسلحة في الحشد الشعبي وخارجه حول إدارة هذه الأماكن.

 

تفيد معلومات نشرتها اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري في الأمم المتحدة بأن "هناك 420 مكاناً للاحتجاز السري في العراق". هذه المعلومات تتطابق نوعاً ما مع مصادر حكومية قابلها المرصد العراقي لحقوق الإنسان وتشير إلى أن "السلطات العراقية تعترف في اجتماعاتها الخاصة بوجود أماكن احتجاز سرية".

 

هذه المصادر التي عملت في حكومة مصطفى الكاظمي التي انتهت ولايتها في (٢٧ تشرين الأول ٢٠٢٢)، قالت إن "حكومتي حيدر العبادي (٢٠١٤ – ٢٠١٨) وعادل عبد المهدي (٢٠١٨ – ٢٠١٩) لم تتمكنا من الوصول لهذه الأماكن السرية، والحال ينطبق على حكومة الكاظمي أيضاً. أماكن الاحتجاز متعددة وليست في مناطق معينة، فهي في بغداد والأنبار ونينوى وبابل".

 

وأضافت المصادر، أن "السلطات العراقية بوضعها الضعيف الحالي لا تستطيع فتح ملف المفقودين والمخفيين قسراً، ولا يبدو أنه سيُفتح. الأماكن الاحتجاز قد لا تكون سجون كبيرة، أو معتقلات ضخمة، ربما مجموعة منازل أو سراديب تحت الأرض، أو حتى منزل واحد كبير. ليس بالضرورة أن تكون هذه الأماكن شبيهة بالسجون الرسمية".

 

قال مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان مصطفى سعدون إن "ملف المختفين قسراً والمفقودين، ملف أكبر من أي حكومة، ويحتاج إلى جرأة حكومية وقرار سياسي، وفي ظل الظروف التي يعيشها العراق في آخر ثلاث سنوات على الأقل، لا يبدو أنه سيكون من أولويات أي حكومة".

 

وأضاف: "للأسف استخدم هذا الملف سياسياً، وهناك من يسعى إلى إخفائه بشكل نهائي. تغييب مصير هؤلاء الأشخاص طمس للحقيقة".

 

تُعرّف القانون الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري على أنه "توقيف شخص ما على يد مسؤولين في الدولة أو وكلاء للدولة، أو على يد أشخاص أو مجموعات تعمل بإذن من السلطات أو دعمها أو قبولها غير المعلن، وعدم الاعتراف بالتوقيف أو الإفصاح عن مكان الشخص أو حالته. ويستتبع هذا الحظر واجب التحقيق في قضايا الإخفاء القسري المزعومة ومحاسبة المسؤولين".

 

  

لجان تغييب الحقائق

 

لم تأتِ كل لجان تقصي الحقائق التي شكلتها الحكومات العراقية بشأن المختفين قسراً والمفقودين، بأية نتائج، وبالتالي غُيبت وضاعت حقوقهم وحقوق ذويهم.

 

وفُقد أثَر عشرات الآلاف من الأشخاص خلال السنوات الثمانية الماضية (٢٠١٤ – ٢٠٢٢)، ورغم وجود خيوط واضحة في القضية، قد يفضي تتبعها إلى الوصول لمصيرهم من خلالها إلّا أن السلطات لم تكن جادة أبداً في القيام بواجبها في هذه المسألة الهامة واكتفت بإطلاق وعود وتعهدات دون أي خطوات على أرض الواقع، كما يعتقد ذوي الضحايا وهم يعبّرون عن هذا الموقف علناً، فضلاً عن بعض المسؤولين في الدولة العراقية.

 

قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان، إن ملف المختفين قسراً والمفقودين تحول من كونه ملفاً إنسانياً إلى ملف سياسي، واستغل الملف من قبل سياسيين في المناطق التي كانت تخضع لسيطرة تنظيم "داعش" وتحول إلى ورقة تحقيق مكتسبات سياسية، متجاهلين ما حدث للمدنيين طيلة السنوات الماضية من عمليات إخفاء وتغييب وفقدان.

 

في (٥ حزيران ٢٠١٦) شكّل مكتب رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي لجنة للتحقيق في ملف الاختفاء القسري والانتهاكات المرتكبة في سياق العمليات العسكرية لاستعادة مدينة الفلوجة في محافظة الأنبار، لكن اللجنة لم تعلن عن أي نتائج حتى اللحظة.

 

وخلال ذات الفترة شكّلت السلطات المحلية في محافظة الأنبار تحديداً في (١١ حزيران ٢٠١٦) لجنة أخرى لكشف مصير ٦٤٣ مفقوداً في منطقة الصقلاوية لكن لا نتائج حتى الآن، رغم أن اللجنة قالت إنها "قدمت نتائج التحقيقات إلى رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي".

 

وفي (١٨ أيلول ٢٠١٩) دعا رئيس الحكومة الأسبق عادل عبد المهدي الجهات السياسية والرقابية الى تسليم جميع الأدلة والتفاصيل بشأن المفقودين من "أجل التعاون مع الحكومة والكشف عن مصيرهم". وقال في تصريح صحفي إن "الحكومة شكلت لجان كثيرة من اجل معرفة مصير المفقودين وهي مستعدة لاستقبال جميع الشكاوى وسجلات المفقودين من الجميع وهي عازمة على معرفة مصير الجميع".

 

وفي (٢٩ آب ٢٠٢٠) تعهد رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي على العمل بجدية لمتابعة ملف المغيبين والمفقودين وكشف مصيرهم. كان تعهد الكاظمي أمام عائلات عراقية فقدت أبناءها ولم تعرف مصيرهم.

 

إن هذه اللجان الثلاث التي شكلتها حكومات حيدر العبادي وعادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي، لم تعلن أي نتائج عن التحقيقات التي يفترض أنها إجرتها بشأن المختفين والمفقودين، وكان ذلك بمثابة تخدير لذوي الضحايا وتسويف للملف وتغييب للحقائق.

 

قال أنس العزاوي مستشار المرصد العراقي لحقوق الإنسان، وهو عضو سابق في مجلس المفوضين في المفوضية العليا لحقوق الإنسان، إن "من أهم الملفات التي تحتاج اهتمام رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، إيجاد الحلول القانونية والإنسانية لحسم ملف الاختفاء القسري في العراق والدفع بتشريع قانون وطني لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري وفق ما التزم به العراق دولياً".

 

وأضاف أن "الكثير من المهتمين بملف حقوق الإنسان داخل العراق أو من المجتمع الدولي يعولون على تجربة السوداني (كان وزيراً لحقوق الإنسان في حكومة المالكي ٢٠١٠ - ٢٠١٤) في حسم الكثير من الملفات الإنسانية الجدلية في العراق مثل: (النزوح، الاختفاء القسري، إنصاف ضحايا الإرهاب، تعويض المتضررين، العنف الأسري، الفقر، حقوق الطفل والمرأة، حرية التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي) والدفع باستكمال تشريع القوانين ذات الصلة بضمان حقوق الإنسان وصون حرياته الدستورية وتأكيد الالتزام بالاتفاقيات والصكوك الدولية الملزمة".

 

 

سنوات طويلة من التغييب

 

ما زال هناك الآلاف من الأشخاص المفقودين في عموم العراق، منهم الأشخاص الذين كانوا ضحية للمجزرة التي عرفت باسم مجزرة (سبايكر) في (١٢ حزيران ٢٠١٤) التي أعدم فيها تنظيم "داعش" نحو ١٧٠٠ عسكرياً عراقياً، بالإضافة إلى المختطفين الإيزيديين والتركمان الذين اقتادهم تنظيم "داعش" واختطفهم خلال اجتياحه لمدينة الموصل والمناطق التي حولها خلال شهري (حزيران وآب ٢٠١٤).

 

ليس هؤلاء فحسب، فالحرب الطائفية في العراق (٢٠٠٦ – ٢٠٠٧) شهدت فقدان وتغييب آلاف المدنيين على يد جماعات مسلحة إرهابية كانت تنفذ إعدامات ميدانية في بعض المناطق على أساس الانتماء المذهبي، وكانت تختفي مجموعات كبيرة من المدنيين في مناطق العاصمة بغداد وفي محيطها وعلى الطريق الخارجي بين كركوك وبغداد، وكذلك بين بغداد ومحافظتي الأنبار وصلاح الدين.

 

سلّمت بعض العائلات بأن ذويها المفقودين والمغيبين قتلوا ودفنوا في مقابر جماعية أو رميوا في نهر دجلة مثلما كانت تفعل الجماعات الإرهابية خلال فترات القتل على الهوية خلال عامي (٢٠٠٦ – ٢٠٠٧).

 

قالت امرأة تسكن العاصمة العراقية بغداد في عقدها الخامس خلال شهادة للمرصد العراقي لحقوق الإنسان: "إني زوجة المفقود عادل يعقوب يوسف، خرج لعمله بتاريخ (٤ حزيران ٢٠٠٤) ولم يعد للمنزل منذ ١٨ عاماً. ذهب إلى الفلوجة، وقيل لنا إن مجاميع إرهابية اختطفته. لم نتمكن من الإبلاغ عن حالته إلا بعد أربع سنوات، لأننا هجرنا خلال الحرب الطائفية من بغداد".

 

قالت امرأة أخرى خلال شهادتها للمرصد العراقي لحقوق الإنسان: "إني والدت المفقود حيدر صباح مطرود، فقد بتاريخ (٦ أيلول ٢٠٠٤) عندما خرج إلى العمل ولم يعد حتى اليوم. قيل لنا إن جماعات مسلحة اختطفته. بحثنا في المستشفيات وفي كل مكان، ولم يعد إلينا ولا نعرف مصيره حتى الآن".

 

قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان، إن تأخر الكشف عن مصير المختفين والمغيبين قسراً في العراق يمثل مشكلة كبيرة تضرب استقرار المجتمع ويطيل أمد معاناة عائلاتهم. وفقاً لإحصاءات غير رسمية، بلغ عدد المختفين قسراً في الخمسة عقود الأخيرة، نحو مليون شخص لأسباب تتعلق بخلفياتهم المذهبية أو آراءهم السياسية ومواقفهم من قضايا تخص الدولة والمجتمع.

 

تشير تقديرات إلى أن ٢٧ ألف عراقي فقدوا بين عامي (٢٠١٤ – ٢٠١٨) وأغلب هؤلاء في المناطق التي كانت تخضع لسيطرة تنظيم "داعش" وحررتها القوات العراقية والجماعات المسلحة المساندة لها عام (٢٠١٧) خلال حكومة حيدر العبادي، لكن هذه الأرقام غير مثيرة بالنسبة للسلطات العراقية التي تحاول تسويف قضية المختفين قسراً والمفقودين في محاولة منها للتخلص من ملفهم الذي أخذ طابعاً سياسياً أكثر من كونه ملفاً إنسانياً.

 

قابل المرصد العراقي لحقوق الإنسان مسؤولاً حكومياً في (حزيران ٢٠٢٢) وأبلغ المرصد بأن "الحكومة لا تمتلك أي قاعدة بيانات عن هؤلاء المختفين والمفقودين، وليس لديها رؤية واضحة حول قضيتهم".

 

في عام (٢٠١٠) صادق العراق على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، لكنه لم يشرع قانوناً يدعم ذلك. انشغل المشرعون العراقيون في تشريع القوانين التي تمنحهم وذويهم الامتيازات، وتغافلوا عن تشريع قوانين مهمة منها قانون حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري. لا يتعلق الأمر بتغافلهم فقط، بل لأن أسباباً سياسية تحول دول تشريع هذا القانون، حيث تتورط جماعات مسلحة لها حضور في مجلس النواب العراقي، بإخفاء مدنيين.

 

الحشد الشعبي وهو قوة تابعة قانونياً للدولة العراقية أسست عام (٢٠١٤) وشرع قانونها عام (٢٠١٦)، تتهم بعمليات إخفاء قسري وممارسة تغيير ديموغرافي، لكن مسؤولين في الحشد ينفون ذلك. ورغم أن هذا النفي المتوقع من كل الأطراف التي تتهم، إلا أن شهادات لمدنيين عراقيين قالوا إنهم تعرضوا لانتهاكات وتعرض ذويهم للإخفاء القسري على يد عناصر تابعين للحشد الشعبي أو فصائل مسلحة أخرى غير منضوية في الحشد لكنها قاتلت أيضاً إلى جانب الحشد الشعبي والقوات الأمنية العراقية.



نشطاء فقدوا في الاحتجاجات

 

لا يتعلق ملف الاختفاء القسري والفقدان بالمناطق المحررة أو العمليات العسكرية فحسب، فخلال الاحتجاجات التي شهدها العراق عام (٢٠١٩) والتي عرفت باسم احتجاجات تشرين، سجل فقدان العشرات من النشطاء والمتظاهرين. فوفقاً لمفوضية حقوق الإنسان العراقية فُقد حتى (كانون الأول ٢٠١٩) نحو ٦٨ متظاهراً، أطلق فيما بعد سراح ١٢ منهم في محافظة كربلاء، لكن لم يعرف مصير البقية.

 

هذا الإهمال شمِل أيضاً قضايا تغييب متظاهرين وناشطين وكذلك صحفيين انتقدوا الفساد في دوائر الدولة أو شاركوا في تظاهرات احتجاجية، خاصة تلك التي شهدها العراق بعد عام (٢٠١١)، منهم على سبيل المثال، الناشط جلال الشحماني، وتكررت حالات التغييب القسري خلال احتجاجات (تشرين الأول ٢٠١٩) وما بعدها، كتغييب المحامي علي جاسب والناشطين سجاد العراقي وباسم الزعاك الذي ذهب لتغطية احتجاجات أنصار القوى المعترضة على نتائج الانتخابات الماضية ولم يعد لمنزله ووثق مقطع مصور لحظة توقيفه، وقبلهم الصحفي توفيق التميمي والكاتب مازن لطيف وآخرون.

 

يعتبر سجاد العراقي وهو ناشط في احتجاجات محافظة ذي قار، وعبد المسيح روميو، وعلي جاسب، وباسم الزعاك، أبرز المختفين قسرياً خلال فترة الاحتجاجات في العراق، ورغم وعود السلطات العراقية بمعرفة مصيرهم إلا أنها لم تفعل ذلك، فبقي مصيرهم مجهولاً حتى اللحظة.

 

في (٩ أيلول ٢٠٢٠) استقبل رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي والدة وشقيق المتظاهر المفقود سجاد العراقي، ووجه بتسخير كل الإمكانيات لمعرفة مصيره وتوسيع نطاق البحث عنه، لكن أي شيء لم يحدث وما زال سجاد العراقي مفقوداً.

 

في مقطع الفيديو هذا الذي نشره المرصد العراقي لحقوق الإنسان على صفحته في الفيس بوك بتاريخ (١٣ كانون الأول ٢٠٢١) قالت والدة الناشط في الاحتجاجات باسم الزعاك: "أناشد مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي بأن يعيد لي ابني الذي خرج منذ خمسين يوماً ولا أعرف مصيره ولا أعرف أي شيء عنه".

 

وأضافت باكية: "أعد لي ابني. لا أنام ليلي، وابني لديه أمراض مزمنة. أريد ابني".

 

ووفق معلومات وردت للمرصد العراقي لحقوق الإنسان ولم نتمكن من التحقق منها، فإن قسماً من المغيبين منذ عام ٢٠١٤، جرى التخلص منهم بقتلهم خارج نطاق القانون وبعد استجوابات بسيطة جرت في مناطق نائية لا تستطيع حتى قوات الجيش والشرطة دخولها.

 

قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان، يتحتم على السلطات اتخاذ إجراءات حقيقية وجادة لكشف مصير المختفين قسراً ومحاسبة المتورطين في تغييبهم أياً كانوا وعدم التوقف أمام الخطاب الذي يوحي أن فتح هذا الملف يقود لاضطرابات سياسية وأمنية على اعتبار أنه سيطيح بشخصيات عسكرية كبيرة.

 

كما على السلطات العراقية إدراك أن بقاء تلك القضية معلّقة هو أحد أسباب الاضطراب المجتمعي في المناطق التي كان يسكنها الضحايا وهذا الاضطراب يؤدي لنتائج وخيمة ظهر بعضها سابقاً وربما ستتعقد في المستقبل ولو على سبيل الشعور العام وفقدان الثقة بالدولة وأجهزتها.

 

ويدعو المرصد العراقي لحقوق الإنسان، مجلس النواب العراقي إلى تشريع قانون يلزم السلطات التنفيذية القيام بواجباتها إزاء ملف المغيبين والمختفين قسراً وتشكيل لجنة بصلاحيات واسعة تتولى المراجعة والتحقيق وجمع شهادات حية لإنصاف الضحايا في حقهم بالحياة وإنهاء معاناة عائلاتهم وتعويضهم أيضاً.