قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان (١٣ شباط ٢٠٢٣) إن السلطات العراقية تمارس أساليب تعسفية بحق فئة من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي بحجة أنهم "يقدمون المحتوى الهابط" لكنها لم تحدد معايير ما تقصده من "المحتوى الهابط" الذي لم يأتِ ذكره في أي قانون عراقي.
وأعلنت السلطات العراقية مؤخراً اعتقال مجموعة من الذين ينشطون على مواقع التواصل الاجتماعي وينشرون "المحتوى الهابط" وفقاً لتعريف السلطات، لكنها أفرجت في وقت لاحق عن بعض الذين اعتقلتهم، الأمر الذي يظهر اضطراباً وتناقضاً في الإجراءات المتبعة غير المستندة على مادة قانونية واضحة وصريحة.
لم تحدد السلطات العراقية معايير "المحتوى الهابط" وهل ينطبق على محللين سياسيين تابعين لقِوى سياسية ومسلحة، أو على سياسيين ومقدمي برامج يعملون في وسائل إعلام ممولة من قبل هذه الأطراف ويبثون خطابات كراهية وتحريض.
اعتمدت السلطات العراقية على المواد (٤٠١ – ٤٠٣ – ٤٠٤) في قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ الذي شرع في فترة حكم ديكتاتوري وبعقلية بوليسية، ولا تتناسب مجموعة من مواده مع النظام الديموقراطي الذي أعقب النظام الشمولي الديكتاتوري.
تتضمن هذه المواد مصطلحات مثل: "مخل بالحياء" - "الفاحشة" – "الآداب العامة" وهي مصطلحات فضفاضة وغير واضحة، كما أن مقاطع الفيديو والنشاطات العلنية للمعتقلين لم تدخل في إطار ذلك، وماهو المخل في الحياء أو الفاحشة التي نشروها، ولماذا لم تُعلن السلطات "الجريمة" المحددة لهؤلاء.
إن تكييف هذه المواد على مواقع التواصل الاجتماعي، تكييف غير منطقي، حيث لا عقوبة ولا جريمة إلا بنص، ولا يوجد أي قانون يعاقب على ما سُمي بـ"المحتوى الهابط" كما أن نشاط هؤلاء لا يحتوي على أركان الجريمة التي يُعاقب عليها مرتكبها.
قال مصطفى سعدون مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان إن "ما يحدث كارثي، أن هؤلاء ليسوا بمجرمين، مجرد أشخاص نختلف ونتفق مع ما يقومون به، وإن كانوا يبثون محتوى تافهاً، فالأولى نشر محتوى هادفاً بدل الإجراءات التعسفية المتبعة بحقهم. واجب الدولة تقديم الخدمات وحماية المواطنين، وليس فرض نمط أخلاقي معين عليهم. واجب الدولة فرض القانون ومحاسبة من يخالفه".
وأضاف: "هناك خشية من استغلال الحملة لنحو أصحاب الرأي والمدافعين عن حقوق الإنسان، وتكميم أفواه الأشخاص الذين ينتقدون سوء الإدارة في مؤسسات الدولة".
لوحظ أن أكثر من مؤسسة أمنية عراقية نفذت عمليات الاعتقال، وأظهرت البيانات الرسمية والصور، تعامل السلطات مع المعتقلين وكأنهم "إرهابيون" أو مرتكبو أفعال ألحقت أضراراً بالمال العام أو مؤسسات الدولة.
أعرب نشطاء ومدافعون عن حقوق الإنسان عن مخاوفهم من احتمالية أن تكون هذه الإجراءات بداية لحملات موسعة تستهدف كل الذين يختلفون في الرأي مع السلطات أو موظفي الخدمة العامة أو يعبرون عن آرائهم بطرق سلمية وفقاً لما كفله الدستور العراقي في المادة ٣٨ منه.
إن المرصد العراقي لحقوق الإنسان، لا يقف بالضد من تطبيق القوانين، بل يسعى إلى أن يكون القانون هو الفيصل وهو المنظم لحياة المجتمع، لكنه سيقف بالضد من أي محاولة لتقييد الحريات، أو تحميل أشخاص كانوا ضحايا الأزمات التي عاشها العراق طيلة السنوات الماضية مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في البلد.
ليس من واجب السلطات أن تفرض أخلاقيات معينة على المجتمع، وليس من واجبها أيضاً أن تعتمد المزاجيات في تحديد ما هو "هابط" وما هو "سامٍ" دون أن تكون هناك معايير واضحة وصريحة، تسري وتُطبق على الجميع.
قال حسام الحاج وهو مقدم برامج وخبير قانوني خلال مقابلة مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان إن "أصل مبدأ الشرعية الجزائية هو أن لا عقوبة ولا جريمة إلا بنص، ومن هذا المنطلق أقول إنه لا يوجد شيئاً في منظومة التشريعات القانونية يعاقب على ما أسموه اصطلاحاً (المحتوى الهابط)".
وأضاف أن "المواد (٤٠١ – ٤٠٢ – ٤٠٣) من قانون العقوبات تتحدث عن أفعال أو أقوال تحتوي على الفُحش، عبر وسائل العلانية، والفحش هو الفعل الذي يسئ بشدة إلى الأخلاق الإنسانية. الخشية واقعا هي أن تتمدد حملة مكافحة المحتوى الهابط لتصل إلى تقييد الحريات والأفكار، وبالتالي فرض نسق مُحدد من الأفكار".
قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان إن الاعتماد على مصطلحات فضفاضة وعامة، يعطي مطاطية كبيرة في معاقبة أشخاص وإفلات آخرين من العقاب، وهذا بحد ذاته تطوراً خطيراً في بلد يفترض أنه يتمتع بنظام سياسي ديموقراطي يكفل دستوره في المادة ٣٨ حرية الرأي والتعبير عنه بكافة الطرق السلمية.
يحث المرصد العراقي لحقوق الإنسان مجلس القضاء الأعلى، وسلطات إنفاذ القانون، إلى الانتباه لما هو جريمة ومخالف للقانون، وماهو حرية شخصية لا تلحق أي ضرر بالآخرين. كما يدعو ذات الأطراف إلى التفريق بين انتقاد مؤسسات الدولة وهو حق مكفول، وبين إلحاق الضرر بها والاعتداء عليها.