المصدر قبل التصميم - جيتي إيمجس
3-10-2023, 06:30


يوثق هذا التقرير الذي يتضمن شهادات من سكان محليين ومسؤولين حكوميين وخبراء، ظاهرة الجفاف في محافظة المثنى جنوبي العراق، وهي المحافظة الأكثر فقراً في البلاد. توصل هذا التقرير إلى نتائج تفيد بأن الجفاف قد يؤدي إلى صراعات ونزوح جماعي باتجاه مدن آخرى.




قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان (٣ تشرين الأول ٢٠٢٣) إن محافظة المثنى جنوبي العراق، تشهد أزمة مياه كبيرة قد تنتج فيما بعد مشكلات صحية واجتماعية وأمنية أيضاً، خاصة وأنها أفقر مدن البلاد، وتصل نسبة الفقر فيها إلى أكثر من ٥٠٪، وفقاً للمتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية عبد الزهرة الهنداوي.


المثنى التي تقع على نهر الفرات (شط الرميثة وهو أحد تفرعات نهر الحلة) تعاني من نقص كبير في المياه، وحسب شهادات السكان المحليين هناك فإنهم يواجهون مشكلات عدة متعلقة بشح المياه منذ أكثر من عقد.


هذه المعاناة أفقدت مساحات زراعية واسعة هويتها، وتحولت إلى أراضٍ من دون زرع. تتفاقم هذه الأزمة وتتراجع مع موسم الأمطار والإطلاقات المائية المركزية المخصصة إلى المحافظة.


نحو ٥٠٪ من سكان المثنى يعتمد على الزراعة كمصدر دخل أساسي، وفقاً لتقديرات غير رسمية حصل عليها المرصد العراقي لحقوق الإنسان. سينتج تقلص المساحات الزراعية أزمة كبيرة ربما ترفع نسبة الفقر في

المحافظة، وتدفع بعضهم إلى الهجرة نحو محافظات أخرى قد لا يبدو حالها أفضل من المثنى من ناحيتي شح المياه ونسبة الفقر.
 
شح المياه في المثنى ينذر بخطر حقيقي قد يهدد السلم الأهلي وينتج كارثة إنسانية تلف كل شيء معها. تتصارع العشائر هناك منذ سنوات للحصول على أكبر قدر من المياه بطرق غير قانونية. لم تستطع كل الحكومات العراقية منع العشائر الكبيرة وذات النفوذ القوي مجتمعياً وسياسياً، من إيقاف التجاوزات على الحصص المائية.


 مطالبات كثيرة للحد من هذه الأزمة وإيجاد الحلول الناجعة لها وإيقاف التجاوزات على الحصة المائية من المحافظات الشريكة معها، لكن "لا شيء حتى الآن" وفقاً لسكان ومسؤولين محليين في المثنى قابلهم المرصد العراقي لحقوق الإنسان.


قابل المرصد العراقي لحقوق الإنسان مجموعة سكان محليين في المحافظة، واعتبروا ما يحدث "خطراً حقيقياً" وقالوا إنهم "يعانون من شح المياه منذ أكثر من عشر سنوات".


قال السكان المحليون: ""نحن أمام خيارين، إما البقاء وهو موت بطيء أو الهجرة إلى مدن أخرى وهذا أمر متعب ومرهق بالنسبة لنا. نحن مزارعون لا نعرف مهنة غير الزراعة، أما الحكومة لم تحل مشكلة منع التجاوزات على حصتنا المائية التي يصلنا أقل من نصفها ولا نعرف ما الحل".




قال حسين طه وهو مزارع من قضاء (النجمي) شمالي المثنى خلال مقابلة مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان: "ما يحدث أزمة كارثية، حولت أغلب أراضينا الزراعية إلى صحراء لاهبة قاحلة جرداء. أرضنا تفتقر لأسبط مقومات الحياة".


وأضاف: "نحن نشتري مياه الشرب، وتنقل لنا من أماكن بعيدة وهذا يستهلكنا مالياً. أما تربية المواشي فأصبحت صعبة جداً، فالأرض لا تُزرع، والمياه شبه منقطعة. أجبرنا على ترك تربيتها، وقد نجبر على ترك أراضينا وبيوتنا".


ويتحدث طه بألم: "نزحت مجبراً عن منطقتي التي ولدت وترعرعت فيها، لم أرد تركها لولا شح المياه. تركت مزرعتي وبيتي وكل شي وسكنت في المدينة من أجل الماء. كثيرون غيري نزحوا إلى المدينة بحثاً عن المياه".
                                 

قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان، إن أزمة المياه التي تتفاقم في المثنى، ربما تحول المحافظة إلى بيئة طاردة لساكنيها، خاصة وأنهم يعتمدون على الزراعة كصدر دخل أساسي. يجب على الحكومة العراقية إيجاد الحلول ومنع هجرة سكان بعض المناطق باتجاه مناطق أخرى.
 


المساحات الزراعية التي تعتمد على مياه الأنهر في محافظة المثنى، تقلصت بين عامي ٢٠٠٤ – ٢٠٢٣ نحو (١٤٥) ألف دونم، بعدما كانت في عام ٢٠٠٤ (٢١١) ألف دونم، صارت في عام ٢٠٢٣ (٦٦) ألف دونم. 


لكن السلطات المحلية المسؤولة عن ملف المياه في محافظة المثنى، لجأت إلى المياه الجوفية لسد النقص الحاصل، من خلال الاعتماد على الآبار في بادية السماوة، وفقاً لمسؤول محلي تحدث إلى المرصد العراقي لحقوق الإنسان.


يعيش في محافظة المثنى نحو مليون نسمة، وتبلغ مساحتها ٥١ ألف كم متر، وتشكل نحو ١١.٩٪ من مساحة العراق الكلية، وأغلب مساحتها عبارة عن صحراء، وتعاني من قلة الأمطار، وفقاً للجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط العراقية.




قابل المرصد العراقي لحقوق الإنسان حسين سعيد وهو مواطن من قضاء (النجمي) أيضاً وقال إن "الحلول الحكومية لحل مشكلة شح المياه كانت عبر تحويل الأنهر إلى أنابيب قطر (٥٠ سم) تنقل المياه وتوزع على محطات التصفية والإسالة وهذا حل غير مستدام".


وأضاف: "لا يؤدي هذا الحل غرضاً دائماً لقضاء (النجمي) ومناطقه المترامية الأطراف. استخدم هذا الحل سابقاً في مناطق أخرى وكان سبباً للهجرة منها مثل مناطق (البو صالح، والمراشدة، وأهل الهويشة،) وغيرها من المناطق التي هجرها سكانها بسبب قلة المياه".


ويشكو رحمن دفار وهو أحد السكان المحليين في قضاء (النجمي) من شح المياه أيضاً.


وقال خلال مقابلة مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان: "نعاني من نقص الماء سواء للزراعة أو الشرب، أما الظلم الذي يقع علينا من قبل دائرة الري، فيكمن في إيقاف مضخات المياه الناقلة لمنطقتنا التي نسقي أراضينا منها بداعي التجاوز على الحصة المائية".
 
وأضاف: " مدت دائرة الري أنابيب للمناطق لكن من دون ماء، ونحن على هذا الحال وكل مناطقنا تعيش الحرمان، وهناك خوف كبير من قادم الأيام، فمصيرنا بات مجهولاً".



خلال زيارته إلى المثنى في (١٦ تموز ٢٠٢٣) قال غلام إسحاق، نائب الممثل الخاص للأمم المتحدة، المنسق المقيم، منسق الشؤون الإنسانية في العراق إن "٥٢٪ من سكان المثنى يعيشون تحت خط الفقر، و٧٥٪ منهم يعتمدون على الزراعة ويواجهون نقصاً حاداً في المياه. تقلصت أراضيهم الصالحة للزراعة من ٥٠ ألف إلى ١٠ آلاف دونم. الهجرة إلى المناطق المجاورة والنزوح بات وشيكاً".
 
شهد القضاء في الأشهر الماضية تظاهرات كبيرة طالبت بالحصة المائية والخدمات الأخرى، ودعا السكان المحليون هناك الحكومة الاتحادية إلى التدخل لحل الأزمة.


مهدي صالح سلطان وهو أحد مزارعي قضاء (السوير) شمالي المحافظة، تحدث إلى المرصد العراقي لحقوق الإنسان عن النقص الحاد في المياه التي تصل إلى القضاء.


وقال: "نحن سكان وقرى ذنائب شط (السوير) نعاني من النقص الحاد في الماء الواصل، وأثر هذا النقص على محطات التحلية والإسالة مما جعلها تتوقف في أغلب الأحيان. كذلك تحولت أغلب الأراضي إلى صحراء عكس ما كانت أراض زراعية تزرع فيها كل أنواع المحاصيل والخضراوات، لكن الآن حلّ موتها".


وبغصة كبيرة يتحدث سلطان: "أنا مزارع ولكن لا أزرع، ومزرعتي تحولت إلى أرض جرداء خالية مهجورة بسبب شح المياه، وصارت تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة بعدما كانت تزرع كل أنواع الخضار والفواكه".


قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان إن التجاوزات على الحصص المائية يحرم مزارعين عدة من الاستمرار في الزراعة ومن توفير المياه لعوائلهم أيضاً. النفوذ الكبير لبعض العشائر مجتمعياً، يجب ألا يتحول إلى أداة تسلب الآخرين حقوقهم، ويفرض سطوة العشيرة الكبيرة على بقية السكان.


علي الغانمي وهو من سكان قضاء (السوير) قال خلال مقابلة مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان إن "شح المياه يضرب القضاء. اضطررنا إلى الهجرة والانتقال إلى المدينة وهذا بحد ذاته تهديد وخطر علينا. يجب على أصحاب القرار التفكير بجدية تجاه هذه الأزمة للحد منها".


يشير خبراء إلى وجود تجاوزات على الحصة المائية المخصصة لمحافظة المثنى من المحافظات المتشاطئة معها، وقد تصل إلى انقطاع تام في بعض الأيام.


قال الخبير البيئي أحمد حمدان الجشعمي خلال مقابلة مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان: "تعيش محافظة المثنى أزمة مياه مخيفة بسبب التجاوزات من قبل محافظات بابل والديوانية والنجف التي تتشاطئ معها على نهر الفرات".


ويرى الجشعمي أن "شح المياه وتراجع مناسيب أغلب الأنهر في المحافظة أسباب حولت الأراضي الزراعية إلى أراضٍ مهجورة لا تزرع. المزارعون تركوا بيوتهم وأملاكهم ونزحوا إلى المدن للعمل والاشتغال من أجل توفير متطلبات الحياة".


هجرة الأراضي الزراعية في السنوات الأخيرة مخيفة جداً وكارثة بيئية غير مسبوقة، وأصبح نهر الفرات مكباً للنفايات لكل المحافظات التي يمر بها وهذه أيضا كارثة بيئية عظمى، إذ تحولت أنهارنا إلى مياه مجار آسنة، وفقاً للخبير البيئي أحمد حمدان الجشعمي.


قال الناشط المجتمعي في محافظة المثنى تركي حمود عيسى خلال مقابلة مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان إن "المناطق التي تعاني من شح المياه ترتكز في مناطق الذنائب الموجودة في أسفل شط الرميثة، وهي: مناطق الوركاء والسوير والنواحي التابعة للقضاء".


في (١١ نيسان ٢٠٢٢) قال مدير الماء في محافظة المثنى محمد طالب لصحيفة الصباح التابعة للدولة العراقية، إن "المثنى تعد من المحافظات المنكوبة مائياً على مستوى العراق. هناك تجاوزات على نهر التعزيز وشط الرميثة من قبل محافظتي بابل والديوانية".


قال مدير بيئة المثنى يوسف سوادي خلال مقابلة مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان إن "التجاوز الحاصل على حصة محافظة المثنى التي قررتها وزارة الموارد المائية، يتسبب بتلوث نهر الفرات الذي باتت مياهه غير صالحة للاستهلاك البشري".


حاول المرصد العراقي لحقوق الإنسان إجراء مقابلة مع مدير الموارد المائية في محافظة المثنى لطيف علي رغم الحصول على موعد مسبق معه، لكنه رفض ذلك بعد انتظار ممثل المرصد أمام مكتبه لمدة ساعة كاملة.


ذهبت الحكومة المحلية في محافظة المثنى إلى حلول بطيئة نسبياً لمعالجة أزمة المياه في المحافظة، عن طريق التقليل من استهلاك المياه باتباع طريقة الري بالمرشات المحورية والتقطير للحد من شح المياه في المحافظة. 
 
قال مستشار المحافظ لشؤون الزراعة عبد الوهاب الياسري في (٢٩ آذار ٢٠٢٣) "عدم اعتماد خطة زراعية صيفية لهذا العام كان بسبب النقص الكبير في الحصة المائية للمحافظة".


وفي (٢١ يونيو ٢٠٢٣) زار وزير الموارد المائية عون ذياب المحافظة للحد من التجاوزات على الحصص المائية الاطلاع على الواقع المائي فيها. وفي تصريح للتلفزيون العراقي الرسمي عن التجاوزات التي تعاني منها المحافظة قال ذياب "تسلب حقوق المحافظة من خلال التجاوزات، وهذا الأمر يخضع لاعتبارات قانونية ولن نتهاون به".


إن شح المياه في محافظة المثنى، قد ينتج مشكلات تهدد السلم الأهلي في بعض المناطق التي تعلو فيها العشيرة على القانون، ويخلق أزمات جديدة أمنية ومجتمعية وحتى اقتصادية.


قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان، يتحتم على الحكومة الاتحادية مساعدة سكان محافظة المثنى والحفاظ على استقرارهم والحد من استمرار خساراتهم التي تكبر كلما طالت أزمة المياه.