قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان (12 حزيران 2024) إن عمالة الأطفال في العراق تتفاقم نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة والنزاعات المستمرة، بالإضافة إلى أسباب أخرى دفعت العديد من الأسر إلى إرسال أطفالها للعمل في ظروف قاسية وخطرة.
يواجه الأطفال العاملون في العراق انتهاكات جسيمة لحقوقهم، حيث يحرمون من التعليم ويتعرضون لمخاطر جسدية ونفسية كبيرة. تأثر هؤلاء الأطفال بالحروب والصراعات المسلحة والفقر ونقص الخدمات الأساسية، كما يعانون من سوء التغذية ونقص الرعاية الصحية والتعليم، مما يؤثر بشكل كبير على نموهم وتطورهم.
في مراكز تصليح السيارات، يعمل الأطفال جنباً إلى جنب مع العمال البالغين، حيث يقومون بمهام تتراوح من تنظيف السيارات إلى إصلاح المحركات. هذا النوع من العمل يعرضهم لمخاطر كبيرة، بما في ذلك التعرض للمواد الكيميائية السامة والأدوات الحادة.
عمل الأطفال في هذه المجالات يؤثر سلباً على صحتهم الجسدية والنفسية، ويحرمهم من فرص التعليم والنمو الطبيعي. العاملون في هذه البيئة، يعانون من إصابات متكررة، ويتعرضون لمواد ضارة، ويواجهون مخاطر الاستغلال وسوء المعاملة.
تحدث المرصد العراقي لحقوق الإنسان إلى طفل يبلغ من العمر 10 سنوات يعمل في محل تصليح سيارات في منطقة الدورة ببغداد. توفي والده قبل سنوات، وتعمل والدته بأجور بسيطة لدى من يحتاج إلى التنظيف. يتقاضى أجوراً يومية تبلغ 7 آلاف دينار عراقي، ما يعادل حوالي 5 دولارات أميركية.
يعمل الطفل نحو 9 ساعات يومياً. يقول: "أعمل كل يوم لأساعد أمي، لكنني أشعر بالتعب الشديد. أتمنى لو كان بإمكاني الذهاب إلى المدرسة واللعب مثل بقية الأطفال، لكن ماذا أفعل، أريد أن أصبح رجلاً، رغم أنني ما زلت صغيراً".
يعاني هؤلاء الأطفال من ضغوط نفسية كبيرة نتيجة العمل في بيئة غير آمنة، مما يؤدي إلى اضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب، كما أن حرمان الأطفال من التعليم والتفاعل الاجتماعي الطبيعي يعوق نموهم النفسي والاجتماعي، ويجعلهم أكثر عرضة للانعزال والاستغلال.
قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان إن "عمالة الأطفال في العراق مشكلة كبيرة تتفاقم مع مرور الوقت. الظروف الاقتصادية والاجتماعية السيئة تدفع العائلات إلى إرسال أطفالها للعمل للمساهمة في الدخل الأسري".
يُمكن لأي زائر لورش تصليح السيارات والأحياء الصناعية في العراق، أن يُشاهد عشرات الأطفال يعملون تحت السيارات، بعضهم فقد طفولته وبدأ التصرف وكأنه في العقد الثالث من عمره، وآخر بدأ التدخين وتناول المشروبات الكحولية.
يروي قصته خلال مقابلة مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان: "أعمل في الحي الصناعي منذ عام، أساعد عائلتي في كسب لقمة العيش لأن والدي غير قادر على العمل بسبب إصابته في الحرب. أحلم بالعودة إلى المدرسة، لكن الوضع صعب جداً".
لا يجيد الطفل الذي قابلناه صدفة، حتى قدرة التعبير عن مشاعره أو الحديث عن عمله وما هي طموحاته، ولا يستطيع أيضاً أن يصف ما فيه، كل ما يعرفه أنه يخرج بعد شروق الشمس بقليل ويعود قبل غروبها بقليل ومعه ما يوفر لأهله الذين يسكنون في المنطقة القديمة ما يساعدهم على شراء كفاف يومهم من الأكل.
طفل يبلغ من العمر 11 عاماً يعمل مساعد كهربائي سيارات في منطقة كمب سارة. يعاني من مشاكل عديدة أبرزها الإهانات والتصغير المستمر من قبل العاملين معه، وتكليفه بأعمال كبيرة وكثيرة. يتقاضى أجوراً يومية تبلغ 10 آلاف دينار عراقي، أي حوالي 6.9 دولارات أميركية، لمساعدة والدته الأرملة في توفير لقمة العيش للعائلة. يقول: "أتعرض للإهانات في العمل، ويكلفوني بمهام كبيرة. أحاول أن أتحمل لأنني أريد مساعدة والدتي في توفير الطعام لنا".
قال رئيس المرصد العراقي لحقوق الإنسان، مصطفى سعدون: "عمالة الأطفال في العراق تشكل انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان. يجب على الحكومة العراقية اتخاذ خطوات جادة لحماية الأطفال وتوفير بيئة آمنة لهم تمكنهم من النمو والتعلم بعيداً عن العمل القسري".
وأضاف: "ليس هناك أي مبرر أن يستمر مجلس النواب العراقي، في إهمال تشريع قانون حقوق الطفل. العديد من هؤلاء الأطفال يعانون من صدمات نفسية بسبب الظروف التي يعيشونها".
على العراق التزامات وطنية ودولية، بدءاً من المادة (30) أولاً بالدستور العراقي حيث: "تكفل الدولة للفرد وللأسرة - وبخاصة الطفل والمرأة - الضمان الاجتماعي والصحي، والمقومات الاساسية للعيش في حياةٍ حرة كريمةٍ، تؤمن لهم الدخل المناسب، والسكن الملائم".
أما دولياً، فعليه التزامات بعدة اتفاقيات تهدف إلى مكافحة عمالة الأطفال، منها اتفاقية حقوق الطفل 1989 التي صادق عليها في عام 1994، حيث تضمن حقوق الأطفال في الحماية والتعليم والرعاية الصحية، بالإضافة إلى اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 182 التي تتعلق بحظر أسوأ أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليها.
شهد العراق خلال العقود الماضية مجموعة أزمات كانت سبباً أساسياً في تفاقم عمالة الأطفال، منها الفقر المدقع والبطالة، حيث تعيش نسبة كبيرة من الأسر العراقية في خط الفقر وما تحته، مما يجبرها على إرسال أطفالها للعمل لتأمين لقمة العيش.
وفقاً لوزارة التخطيط العراقية، فإن 25 من العراقيين يعيشون في خط الفقر، أي 10 ملايين إنسان يعانون من الفقر في بلد يُنتج يومياً ثلاثة ملايين برميل نفط يومياً.
أدت الحرب على "داعش" والنزاعات المستمرة في مناطق مختلفة إلى تدمير البنية التحتية ونزوح الملايين منذ عام 2014، مما أدى إلى فقدان العديد من الأسر لمصادر دخلها.
قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان إن "عمالة الأطفال تؤدي إلى تعرضهم لمخاطر جسدية ونفسية خطيرة. الأطفال العاملون قد يعانون من الإصابات الجسدية نتيجة العمل في ظروف غير آمنة، كما يتعرضون للاستغلال والاعتداءات. بالإضافة إلى ذلك، يحرمون من التعليم الذي يعد أساساً لمستقبلهم وفرصهم في الحياة".
طفل يبلغ من العمر 17 عاماً يعمل في فتح محركات السيارات في منطقة كمب سارة ببغداد. يتقاضى أجوراً يومية تبلغ 30 ألف دينار عراقي، أي حوالي 20.8 دولاراً أميركياً. يعاني من آلام في الظهر ومشاكل في الرأس نتيجة الانحناء المستمر وحمل الأثقال الكبيرة. يقول: "العمل هنا شاق جداً، وأعاني من آلام في ظهري ورأسي بسبب العمل المستمر. أتمنى أن أتمكن من القيام بشيء آخر في المستقبل".
طفل آخر يبلغ من العمر 15 عاماً اضطر لترك دراسته قبل أربع سنوات لمساعدة عائلته التي تسكن في حي الحيانية بالبصرة. يعمل في محل تبديل زيوت، ويتقاضى 12 ألف دينار عراقي يومياً، ما يعادل حوالي 8.3 دولارات أميركية.
يعاني الطفل من مشاكل عديدة، بما في ذلك التدخين والتعرض للإهانات. يروي: "تركت المدرسة لأعمل وأساعد عائلتي. العمل صعب جداً، أتعرض للإهانات. بدأت بالتدخين لأتحمل الضغط، لكنني أعرف أن هذا ليس حلاً".
يؤدي التعرض المستمر للعنف والاستغلال إلى مشكلات نفسية خطيرة مثل الاكتئاب والقلق واضطرابات ما بعد الصدمة. الأطفال الذين يعملون في ورش تصليح السيارات، يواجهون مضايقات واعتداءات بشكل يومي.
يطالب المرصد العراقي لحقوق الإنسان الحكومة العراقية بحماية الأطفال من العمل القسري، وتعزيز القوانين التي تمنع عمالة الأطفال وتوفير الدعم الاقتصادي للأسر الفقيرة. كما يدعو إلى زيادة الاستثمارات في التعليم والخدمات الأساسية لضمان بيئة آمنة ومستدامة للأطفال.