يتابع المرصد العراقي لحقوق الإنسان (IOHR) بقلق بالغ التطورات المتعلقة بإدراج مجلس النواب العراقي مشروع قانون "حرية التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي" على جدول أعمال جلسة اليوم، تمهيدا للتصويت عليه. ويؤكد المرصد أن تمرير هذا القانون بصيغته الحالية سيُعدّ تراجعاً خطيراً عن الالتزامات الدستورية للعراق، وانتهاكاً صريحاً للمعايير الدولية لحقوق الإنسان التي التزم بها العراق بموجب اتفاقيات دولية ومواثيق أممية نافذة.
منذ أكثر من عقد، تبذل منظمات المجتمع المدني العراقية، والنقابات المهنية، ومراكز الأبحاث، والناشطون الحقوقيون، جهوداً كبيرة من أجل دفع البرلمان العراقي نحو إقرار قانون يضمن حق المواطنين في التعبير بحرية، والتظاهر السلمي، وتنظيم التجمعات العامة، دون تدخل تعسفي من السلطات. لكن، وعلى الرغم من تقديم العديد من الملاحظات الجوهرية والتوصيات المفصلة إلى اللجان البرلمانية المختصة، لا تزال الصيغة المطروحة اليوم تعكس توجهاً واضحاً نحو تقييد لا تنظيم، وقمع لا حماية.
أولاً: الملاحظات الجوهرية على مسودة القانون:
تشير القراءة القانونية الدقيقة لمسودة القانون الحالية إلى وجود العديد من الإشكاليات، أبرزها:
اشتراط الترخيص المسبق للتظاهر السلمي، وهو ما يتعارض صراحة مع المادة (38) من الدستور العراقي، التي تنص على أن حرية الاجتماع والتظاهر السلمي مكفولة، ولا تشترط الموافقة المسبقة بل الإخطار فقط.
توسيع صلاحيات السلطات الأمنية والإدارية في رفض أو تأجيل أو فضّ التجمعات السلمية دون معايير محددة أو رقابة قضائية فعالة، ما يمنح هذه الجهات سلطة تقديرية مطلقة تتعارض مع مبدأ سيادة القانون.
استخدام تعبيرات مطاطة وفضفاضة مثل "تهديد الأمن العام" أو "النظام العام" أو "الآداب العامة"، دون تعريفات قانونية دقيقة، مما يجعل هذه المواد قابلة للتأويل وفق الأهواء السياسية أو الأمنية.
دمج قضايا متباينة في نص تشريعي واحد، مثل تنظيم المحتوى الرقمي، والتجمعات، والاحتجاجات، والخطاب العام، وهو ما يُربك الفهم القانوني ويزيد من احتمالية إساءة التطبيق.
تغليب البعد العقابي على الطابع الحقوقي، حيث تنص المسودة على عقوبات مشددة تجاه أفعال تتعلق بالتعبير، دون مراعاة مبادئ التناسب والضرورة والشرعية المنصوص عليها في القانون الدولي لحقوق الإنسان.
ثانياً: السياق السياسي والاجتماعي يضاعف من خطورة التشريع
إن الدفع باتجاه تمرير هذا القانون في هذا التوقيت، وسط أجواء سياسية مشحونة، وتراجع عام في مساحات التعبير الحر، وازدياد في الانتهاكات ضد الصحفيين والناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان، يمثل مؤشراً خطيراً على وجود نية سياسية ممنهجة لتحجيم الفضاء المدني، وتقييد النشاط السلمي المشروع.
لقد رصد المرصد العراقي لحقوق الإنسان خلال السنوات الماضية، تصاعداً في حملات الملاحقة والتضييق على المحتوى النقدي، واعتقالات تعسفية طالت منظمي احتجاجات سلمية، واعتداءات على صحفيين لمجرد طرحهم أسئلة محرجة. وفي ظل هذا الواقع، فإن إقرار قانون بصيغته الحالية سيمنح هذه الانتهاكات غطاءً قانونياً ويُشرعن سياسة تكميم الأفواه.
ثالثاً: موقف المرصد ومطالبه
انطلاقاً من مسؤوليته الحقوقية، ودوره في الدفاع عن الحريات العامة، يؤكد المرصد العراقي لحقوق الإنسان على ما يلي:
رفض المسودة الحالية رفضاً قاطعاً، والدعوة إلى عدم التصويت عليها أو تمريرها بأي صيغة تُقيد الحق في التعبير أو التظاهر.
دعوة مجلس النواب، وتحديداً رئاسته، واللجان المعنية (القانونية، حقوق الإنسان، الثقافة والإعلام، الأمن والدفاع)، إلى التريث الفوري، وسحب المشروع من جدول الأعمال، وفتح باب الحوار الحقيقي مع الجهات المستقلة المعنية بحقوق الإنسان.
عقد جلسات استماع عامة، تُدعى لها منظمات المجتمع المدني، ونقابات المحامين والصحفيين، وخبراء القانون الدستوري، لضمان شفافية التشريع، ومواءمته مع الدستور والمعايير الدولية.
تحميل كافة الجهات التي تساهم في تمرير هذا القانون المسؤولية القانونية والأخلاقية عن أي انتهاكات لاحقة ستُرتكب بناءً على مواده.
يحذّر المرصد من أن تمرير هذا القانون سيكون بمثابة تقنين للممارسات القمعية التي طالت الحريات في العراق منذ سنوات، وسيؤسس لمرحلة جديدة من الانغلاق، تنسف مكتسبات ما بعد 2003، وتُجهز على آمال بناء دولة مدنية ديمقراطية تقوم على التعدد وحرية التعبير وتداول الرأي.
وعليه، فإن المرصد العراقي لحقوق الإنسان يدعو الشركاء المحليين، والمؤسسات المعنية، إلى دعم موقف المجتمع المدني العراقي، وممارسة الضغط على السلطات التشريعية من أجل احترام الحقوق والحريات، والعمل على إنتاج قانون ينظّم ولا يُقيد، ويحمي لا يُعاقب، ويكرّس مبادئ العدالة والكرامة لا منطق القمع والصمت.