22 - تشرين الأول 2025
قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان (IOHR) إن الحملات الانتخابية الجارية استعداداً لانتخابات مجلس النواب لعام 2025 تشهد تزايداً مقلقاً في حجم الخروقات القانونية والأخلاقية التي تمس مبدأ تكافؤ الفرص وتضعف نزاهة العملية الانتخابية، محذّراً من أن استمرارها دون رادع قانوني أو رقابة ميدانية فعالة سيقوض الثقة العامة بالمسار الديمقراطي في العراق.
إن الانتخابات الحرة والنزيهة ليست مجرد إجراء سياسي، بل حق أساسي من حقوق الإنسان نصّ عليه الدستور العراقي في مادته (20)، كما كرّسه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في مادته (25)، التي تضمن لكل مواطن الحق في المشاركة بإدارة الشؤون العامة واختيار ممثليه بحرية دون ضغط أو تمييز أو استغلال.
وتشكل هذه الانتخابات اختباراً مفصلياً لمدى التزام السلطات العراقية بمبادئ العدالة، والشفافية، واحترام الإرادة الشعبية.
رصد المرصد العراقي لحقوق الإنسان من خلال فرقه الميدانية أكثر من (120) مخالفة انتخابية في (11) محافظة، شملت الدعاية المبكرة، واستغلال المال العام، واستخدام موارد الدولة في الحملات، إلى جانب مخالفات في أماكن وضع الإعلانات.
بدأ بعض المرشحين والكيانات السياسية حملاتهم قبل إعلان المفوضية بدء المدة القانونية، في مخالفة صريحة للمادة (2) من نظام الحملات الانتخابية رقم (4) لسنة 2025، والتي تنص على أن الدعاية الانتخابية لا تبدأ إلا من تاريخ إذن المفوضية وتنتهي قبل (24) ساعة من بدء الاقتراع الخاص.
كما وثّق المرصد إنفاقاً مفرطاً في الحملات، تجاوز الحد الأعلى المحدد في تعليمات الإنفاق رقم (5) لسنة 2023. هذه الممارسات تمثل استغلالاً واضحاً للمال السياسي وخرقاً لمبدأ العدالة الانتخابية وتكافؤ الفرص، وتحوّل التنافس الديمقراطي إلى سباق نفوذ قائم على الثروة لا على البرامج الانتخابية.
سجلت فرق الرصد التابعة للمرصد انتشاراً واسعاً للملصقات الدعائية في أماكن غير مخصصة، كالجدران والأرصفة والحدائق العامة، ما تسبب بتخريب البنية التحتية وتشويه المنظر الحضري للمدن. كما لوحظت دعايات انتخابية على مسافة تقل عن (100) متر من مراكز الاقتراع، في مخالفة للمادة (5) من نظام الحملات الانتخابية.
كذلك تم توثيق استغلال مؤسسات حكومية ومباني عامة لأغراض دعائية، مثل تعليق صور المرشحين أو عقد لقاءات انتخابية داخل دوائر رسمية. هذه الممارسات تمثل انتهاكاً صريحاً لمبدأ حيادية مؤسسات الدولة المنصوص عليه في قانون الانتخابات رقم (12) لسنة 2018 المعدل، وتقوض الثقة في استقلالية الأجهزة الحكومية.
تصاعد خطاب الكراهية والانقسام السياسي
قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان إن أخطر ما تم رصده خلال هذه الدورة هو تصاعد الخطاب الطائفي والقومي التحريضي في بعض الحملات، سواء عبر وسائل الإعلام أو منصات التواصل الاجتماعي المرتبطة بمرشحين أو تحالفات سياسية.
ويعد هذا الخطاب انتهاكاً للمادة (38) من الدستور العراقي، التي تضمن حرية التعبير دون مساس بالنظام العام أو الآداب، كما يمثل خرقاً للمادة (20) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمادة (19) من العهد نفسه التي تحظر التحريض على الكراهية والعنف.
هذه اللغة التحريضية تُهدد السلم الأهلي وتحوّل العملية الانتخابية إلى ساحة استقطاب مجتمعي خطير، مما يقوّض أسس المنافسة الديمقراطية ويزيد هشاشة البيئة السياسية في البلاد.
رصد المرصد العراقي لحقوق الإنسان تعرض عدد من المرشحات المستقلات لحملات تشهير رقمية ممنهجة على وسائل التواصل الاجتماعي، تضمنت خطاباً تمييزياً وجنسياً بهدف ثنيهن عن المشاركة في الانتخابات.
يؤكد المرصد أن هذه الممارسات تمثل انتهاكاً لالتزامات العراق بموجب اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW)، المصادق عليها عام 1986، وتتناقض مع المادة (25) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تضمن تكافؤ الفرص في المشاركة السياسية.
يبدو أن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لم تُفعّل بعد آليات الرصد الميداني المنصوص عليها في المواد (24، 25، 26) من نظام الحملات رقم (4) لسنة 2025. وبسبب هذا الضعف الرقابي، اتسع نطاق المخالفات دون إجراءات فورية أو عقوبات رادعة.
كما لم تُنشر بيانات علنية حول حجم الإنفاق الدعائي للمرشحين أو الإجراءات المتخذة بحق المخالفين، وهو ما يُعد إخلالاً بمبدأ الشفافية ويزيد من فرص تكرار الانتهاكات في فترة الصمت الانتخابي.
يرى المرصد أن هذه الانتهاكات المتكررة لا تمثل مخالفات شكلية فحسب، بل تتناقض مع التزامات العراق الدولية، بما في ذلك توصيات المراجعة الدورية الشاملة (UPR) لمجلس حقوق الإنسان في جنيف لعام 2019، التي دعت العراق إلى ضمان نزاهة الانتخابات، وتعزيز استقلال المفوضية، ومكافحة تأثير المال السياسي.
يؤكد المرصد أن نزاهة الانتخابات المقبلة تمثل اختباراً حقيقياً لالتزام السلطات العراقية بالديمقراطية وحقوق الإنسان، كما أن احترام الإرادة الشعبية لا يتحقق إلا عبر بيئة انتخابية آمنة، خالية من التهديد والتمييز والتضليل واستخدام المال السياسي. وأن مسؤولية حماية هذه البيئة تقع على عاتق الحكومة والمفوضية والمجتمع المدني معاً، لضمان انتخابات تعبّر فعلاً عن إرادة الناخب العراقي.
توصيات المرصد العراقي لحقوق الإنسان
تشكيل لجان ميدانية فعالة لرصد الحملات الانتخابية وضمان تنفيذ أحكام نظام الحملات رقم (4) لسنة 2025 بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني.
فرض غرامات فورية على الكيانات والمرشحين المخالفين لضوابط الدعاية الانتخابية، وخاصة ما يتعلق بالتوقيت والأماكن المخصصة.
تفعيل الرقابة المالية على الإنفاق الانتخابي، والتحقق من مصادر التمويل، وإلزام المرشحين بتقديم كشوفات مالية علنية.
منع استغلال المباني والمؤسسات الحكومية لأي نشاط دعائي، وضمان حياد الدولة في العملية الانتخابية.
ملاحقة الجهات والأفراد الذين يروّجون لخطاب الكراهية أو الانقسام ضمن الحملات الانتخابية، واتخاذ إجراءات قانونية بحقهم.
حماية النساء المرشحات والمستقلين من حملات التشهير أو التمييز، وضمان مشاركتهم الحرة والمتساوية.
نشر التقارير الدورية للمفوضية العليا حول المخالفات والإجراءات المتخذة بحق المخالفين تعزيزاً للشفافية العامة.
يؤكد المرصد العراقي لحقوق الإنسان أن الانتخابات النزيهة تبدأ من احترام القانون والمساواة بين المرشحين، وأن حماية المسار الديمقراطي في العراق تتطلب إرادة سياسية حقيقية ومؤسسات رقابية قوية تعمل باستقلالية تامة.
إن المساءلة ليست عملاً تكميلياً بل جزءاً جوهرياً من العملية الانتخابية، ومن دونها تبقى الديمقراطية شكلية. ويشدد المرصد على أن استمرار الخروقات دون محاسبة سيحول الانتخابات إلى ممارسة شكلية فاقدة للثقة الشعبية، ويقوّض قيم العدالة والمواطنة التي يُفترض أن تكون جوهر النظام الديمقراطي في العراق.