ملخص
يتضمن هذا التقرير الصادر في الذكرى السنوى لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين، شهادات لصحافيين عراقيين بشأن حالة حرية الصحافة في العراق، وكيف أن الجناة ما زالوا يفلتون من العقاب على الجرائم التي ارتكبوها ضد الصحافيين العراقيين.
قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان (٢ تشرين الثاني ٢٠٢٢) إن على حكومة محمد شياع السوداني التحقيق في عمليات قتل الصحافيين العراقيين الذين قتلوا خلال السنوات الماضية دون أية محاسبة للجناة وألا تنتهج حكومته ذات النهج الذي كانت عليه الحكومات السابقة.
ففي اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب ضد الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين، يتحتم على الحكومة الجديدة إعادة فتح التحقيق في الجرائم التي ارتكبت ضد الصحافيين العراقيين بعد تهاون الحكومات السابقة في محاسبتهم ومساعدتهم على الإفلات من العقاب.
والثاني من تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام، هو اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة بحق الصحفيين. اختير هذا اليوم من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، في ذكرى اغتيال الصحفيين الفرنسيين كلود فيرلون وجيزلين دوبون في مالي عام ٢٠١٢ عندما كانا يقومان بتغطية لصالح إذاعة فرنسا الدولية.
يعاني العراق منذ نحو عقدين من ظاهرة الإفلات من العقاب للجناة الذين ارتكبوا جرائم ضد الصحافيين العراقيين، حيث قتل ٤٧٥ صحافياً وعاملاً في مجال الصحافة منذ عام ٢٠٠٣ ولم يُحاسب الجناة سوى على حالتي قتل أو ثلاثة فقط. هذا يعني أن مؤشر الإفلات من العقاب في العراق مرتفع بشكل كبير ويضع العراق من ضمن البلدان التي تشكل أكثر خطورة على العمل الصحافي.
قال تحسين طه وهو صحافي عراقي يعمل لصالح قناة (العربي) خلال شهادة للمرصد العراقي لحقوق الإنسان إن "وجود مظلة سياسية وغطاء للمتورطين بالجرائم ضد الصحافيين هي التي تحول دون تحقيق العدالة بحق مرتكبي هذه الجرائم فضلاً حتى عن عدم إمكانية اعتقالهم".
وأضاف أن "الإفلات من العقاب ساعد في اتساع رقعة الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين. السلطات العراقية تتعرض لضغوط سياسية تسهم في إفلات الجناة من العقاب. لا يمكن أن تكون هناك ديموقراطية في العراق دون تمكين حقيقي للسلطة الرابعة ونقل الحقائق إلى الجمهور، لذا من الضروري توفير الحماية القانونية للصحافيين للوقوف بوجه الجرائم المرتكبة ضدهم".
وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للثقافة والتعليم (اليونسكو) فإن أكثر من ٩٥٠ صحافياً في العالم قتلوا منذ ٢٠١٢، وأفلت تسعة جناة من كل عشرة جرائم. قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان إن العراق من البلدان التي تتصدر عمليات الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين.
قالت الصحافية نور إبراهيم التي تعمل لصالح قناة (البينة الجنوبية) خلال شهادة للمرصد العراقي لحقوق الإنسان إن "الكثير من الصحافيين فقدوا حياتهم نتيجة الكتابة عن قصص تتعلق بالفساد أو انتهاكات حقوق الإنسان عندما حاولت جهات ما إسكاتهم عن طريق التهديد أو الاغتيال. يجب على الحكومة أن تكون سنداً للصحافي لممارسة عمله وليكون بعيداً عن رصاصات الغدر".
وأضافت أن "الكثير من الجرائم سجلت ضد جهات مجهولة الهوية، لذا نطالب بالكشف عن تلك الجرائم ومرتكبيها لتكون عبرة للجهات التي تحاول أن تقف بوجه العمل الصحافي واغتيال الصحافيين".
يسعى المرصد العراقي الإنسان منذ سنوات مع شركاء محليين ودوليين للعمل على إنهاء الإفلات من العقاب ضد الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين، لكن الحكومات العراقية السابقة لم تتجاوب ولم تسع إلى المساعدة في ذلك، لذا نطالب الحكومة الجديدة التي يرأسها محمد شياع السوداني بأن توقف هذا الإفلات الذي يزيد من الانتهاكات والجرائم التي ترتكب ضد الصحافيين.
قال الصحافي ذو الفقار الخفاجي الذي يعمل لصالح قناة (العهد) الفضائية في محافظة بابل: "تعرضت لمحاولة اغتيال في الخامس من أيلول ٢٠٢٢، أطلقت مجموعة مسلحة النار عليّ عندما وصلت لمنزلي، كان إطلاق النار على مسافة ٥٠ متر تقريباً، لكنني تمكنت من النجاة. تعرضت لمجموعة تهديدات قبل هذه المحاولة. أقمت دعوى قضائية لكن للأسف حتى هذه اللحظة لا يوجد أي إجراء، وطلبوا مني تقديم أسماء من حاول اغتيالي، وهذا صعب كيف أعرفهم".
وأضاف أن "المجرمين الذين يقومون بهذه العمليات ينتمون لجهات ظلامية منظمة تستهدف وتقتل بشكل منظم، وهذه هي الجهات التي توفر لهم الحماية من القانون".
وتابع: "قبل محاولة الاغتيال بخمسة أيام أبلغتني جهات أمنية بعمليات تهديد وخطر عليّ، وهذه ثالث محاولة اغتيال، الأولى كانت عام ٢٠١٥ والثانية كانت عام ٢٠١٩".
قال الصحافي علي عبد الكريم الذي يعمل لصالح قناة (الفلوجة) خلال شهادة للمرصد العراقي لحقوق الإنسان: "نحتاج إلى وقفة أمنية وجادة من قبل المؤسسات المعنية بحقوق الصحافيين. الكثير من الذين انتهكوا حرية الصحافة في العراق لم يُحاسبوا وهذا دليل على عدم اهتمام الدولة. على الحكومة الجديدة الاهتمام بالصحافيين أكثر والحفاظ على حياتهم".
قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان في اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين، إن الصحافيين في العراق يواجهون مخاطر عديدة ترتقي أغلبها إلى جرائم تُسجل ضد "مجهول". سهلت الحكومات العراقية السابقة عمليات الإفلات من العقاب، وكانت تكافئ الجناة على الجرائم التي يرتكبونها ضد الصحافيين.
قال الصحافي إبراهيم المحمود الذي يعمل لصالح قناة (آي نيوز) إن "الصحافي عندما يذهب في مهمة صحافية يتعرض لتهديدات من عشائر أو من الجهات التي قد تتضرر من كشف ملفات الفساد، وهذا ما حدث في عموم العراق. ماذا قدم القضاء العراقي والقوات الأمنية للجناة؟
وأضاف أن "اللجان التحقيقية التي شكلت لم تأتِ بنتائج، يجب أن يكون هناك قانون يحمي الصحافيين من القتل والتهديد. الحكومات العراقية تريد من الصحافيين نقل إنجازاتها فقط، لكن عندما يتعرض أي صحافي لمخاطر لا تساعده ولا تحميه".
أسهمت أساليب الحكومات العراقية السابقة في خلق بيئة آمنة للجناة الذين ارتكبوا جرائم ضد الصحافيين العراقيين. إن عمليات التساهل والتهاون والتغطية لأسباب سياسية وشخصية على بعض الجناة، أتاح لمرتكبي هذه الجرائم فرصة عدم المحاسبة على ما ارتكبوه.
قال الصحافي يوسف سلمان الذي يعمل لصالح وكالة (نينا) للأنباء خلال شهادة للمرصد العراقي لحقوق الإنسان إن "الدور الذي يقوم به الصحافي العراقي في تقصي الحقائق عن ملفات الفساد كبير وخطر في ذات الوقت. هناك عمليات استهداف منظمة حدثت للصحافيين الذين يعملون على كشف ملفات الفساد. جرائم قتل الصحافيين أصبحت ضمن الأخبار اليومية. يجب أن تكون هناك جدية للحكومات في عدم السماح للجناة بالإفلات من العقاب".
قال محمد فراس وهو صحافي يعمل لصالح قناة (التغيير) إن "الصحافي هو السلطة الرابعة في أي بلد، حتى وإن كانت الدولة لا تعترف بهذه السلطة. ازدياد الجرائم ضد الصحافيين والتساهل في محاكمة مرتكبيها، هو عمل في صالح الأحزاب والقوى التي لا تريد للصحافي أن يقوى. الأحزاب لا تريد للصحافيين أن يقووا، لذا فإن السكوت على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين يضعف الصحافة ويقوي الجناة. على الفاعلين السياسيين الوقوف إلى جانب الصحافي، السياسي أو المسؤول الحكومي غير المشترك في عمليات الفساد والقتل لا يخشى من الصحافة".
قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان، إن حكومة محمد شياع السوداني أمام فرصة للإيفاء بالتزاماتها بشأن حماية حقوق الإنسان، وعليها أن تفي بكل وعد قطعته، وكذلك إنهاء حالة الإفلات من العقاب على الجرائم التي ترتكب ضد الصحافيين العراقيين، فمسؤوليتها توفير الحماية لهم. إن الفرصة سانحة لمحاسبة مرتكبي الجرائم.